قوله عزوجل : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ؛ قال ابن عباس والكلبيّ : (اعتمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمرة القضاء ، وكانت معه في تلك العمرة أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه ، فجاءتها أمّها قتيلة وجدّها أبو قحافة يسألونها الصّلة والعطيّة ، فقالت : لا أعطيكم شيئا حتّى أستأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنّكم لستم على دين ؛ فاستأذنته في ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتّصدّق عليهما) (١). وقال محمد بن الحنفيّة : (كان يكبر على المسلمين التّصدّق على اليهود والنّصارى ، فأمروا بذلك في غير فريضة).
ومعنى الآية : ليس عليك يا محمد تحصيل الهدى لهم بأن تمنعهم من الصدقة لتحملهم على الإيمان ، ولكنّ الله يثبت ويرشد ويوفّق للخير من يشاء. وروي أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رأى رجلا من أهل الذّمّة يسأل على أبواب المسلمين ، فقال : (ما أنصفناك ؛ أخذنا منك الجزية وأنت شابّ ؛ ثمّ ضيّعناك اليوم) فأمر أن يجري عليه قوته من بيت المال (٢).
قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) ؛ أي ما تنفقوا من مال على برّ أو فاجر فلأنفسكم ثوابه ونفعه عائد إليكم ، (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) ؛ أي علم الله أنكم لا تريدون بنفقتكم إلا طلب مرضاة الله وإن كان المتصدّق عليه كافرا.
قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٢٧٢) أي ما تتصدّقوا به من مال يوفّ إليكم ثوابه في الآخرة ، (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي لا تنقصون شيئا من ثواب أعمالكم وصدقاتكم.
__________________
(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ٤ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩. وأصله في صحيح البخاري : كتاب الأدب : باب صلة الوالد المشرك. ومسلم في الصحيح : كتاب الزكاة : باب فضل الصدقة والنفقة على الأقربين والزوج والأولاد.
(٢) أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج : فصل فيمن تجب عليه الجزية : ص ١٣٦. قال في إعلاء السنن : الرقم (٤١٧٥): «الأثر حسن الإسناد».