سائر الفرائض ؛ لمعنيين ؛ أحدهما : ليقتدي به الناس ، والثاني : لزوال التهمة ؛ لئلّا يسيء به الناس الظنّ ، ولا رياء في الفرض.
وأما النوافل والفضائل فإخفاؤها أفضل لبعدها عن الرياء ، يدلّ على صحّة هذا التأويل ما روي عن أبي جعفر في قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) قال : (يعني الزّكاة المفروضة وقوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) يعني التّطوّع) (١). وعن ابن عباس أنه قال : (جعل الله صدقة التّطوّع في السّرّ تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة تفضل علانيتها سرّها بخمس وعشرين ضعفا) (٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : [المسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصّدقة ، والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة](٣). وذهب الحسن وقتادة إلى أن الإخفاء في كلّ صدقة أفضل ؛ مفروضة كانت أم تطوّعا.
قوله عزوجل : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ؛ قرأ ابن عباس وعكرمة : (وتكفّر) بالتاء ؛ يعني الصدقات. وقرأ الحسن وابن عامر وحفص : (ويكفر) بالياء والرفع على معنى ويكفّر الله. وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو بالنون ورفع الراء على الاستئناف ؛ أي ونحن نكفّر. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع والأعمش وحمزة والكسائيّ بالنون والجزم عطفا على موضع الفاء التي في قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأنّ موضعها جزم بالجزاء.
وقوله تعالى : (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) أدخل (من) للتبعيض ؛ ليكون العباد فيها على وجل فلا يتّكلوا. وقال نحاة البصرة : معناه الإسقاط ؛ أي ويكفّر عنكم سيّئاتكم.
قوله عزوجل : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٧١) ؛ أي بما تعملون من الصدقة عالم يجزيكم به.
__________________
(١) جامع البيان : مج ٣ ج ٣ ص ١٢٧.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٨٤٩).
(٣) رواه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١٧ ص ٢٥٨ : الحديث (٩٢٣) عن عتبة بن عامر ، وفي الأوسط : الحديث (٣٢٥٩). والإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ١٥١ و ١٥٨ ، وإسناده حسن.