قوله عزوجل : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ؛) أي الشيطان يعدكم بالفقر فحذف الباء كقول الشاعر (١) :
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به |
|
فقد تركت ذا مال وذا نشب (٢) |
ويقال : وعدته خيرا ؛ ووعدته شرّا ، وقال الله تعالى في الخير : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً)(٣) وقال في الشّرّ : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤) وإذا لم تذكر الخير والشرّ ؛ قلت في الخير : وعدته ؛ وفي الشرّ : أوعدته. قال الشاعر :
وإنّي إذا أوعدته أو وعدته |
|
لمخلف ميعادي ومنجز موعدي |
ومعنى : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي يخوّفكم الفقر بالنفقة في وجوه البرّ وإنفاق الجيّد من المال ، وقوله تعالى : (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي بالبخل ومنع الزكاة ، وزعم الكلبيّ أن كلّ فحشاء في القرآن فهو زنا إلا في هذه الآية ، وإنما سمي منع الزكاة فحشاء ؛ لأن العرب تسمي البخيل فاحشا ؛ والبخل فحشاء. والفقر : سوء الحال وقلة ذات اليد ، وفيه لغتان : الفقر والفقر ، كالضّعف والضّعف.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) ؛ أي (مَغْفِرَةً) لذنوبكم بالإنفاق من خيار الأموال ، (وَفَضْلاً) أي خلفا في الدّنيا والآخرة ، (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٦٨) ؛ يوسع الرزق والخلف والمثوبة ، ويعلم حيث ينبغي أن تكون السّعة ، قال ابن عباس وابن مسعود : (ثنتان من الله وثنتان من الشّيطان ؛ فمن الله
__________________
(١) قال القرطبي : وأنشد سيبويه :
أمرتك بالخير فافعل ما أمرت به |
|
فقد تركتك ذا مال وذا نشب |
والبيت لعمرو بن معدي كرب : في الديوان : ص ٦٣. ونسب لخفاف بن ندبة : الديوان : ص ١٢٦. وكتاب سيبويه : ج ١ ص ٣٧.
(٢) في لسان العرب : مادة (نشب) ؛ قال ابن منظور : «قال أبو عبيد : من أسماء المال عندهم النّشب والنّشبة. يقال : فلان ذو نشب ، وفلان ما له نشب. والنّشب : المال والعقار».
(٣) الفتح / ٢٠.
(٤) الحج / ٧٢.