فأنزل الله هذه الآية (١).
وقال بعضهم : معنى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) أي لا تتصدّقوا بالحرام. فيكون معنى (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) على هذا التأويل : إلّا أن تترخّصوا في تناوله إن كان حراما. والإغماض : ترك النظر ، يقال في المثل : أغمض في هذا وغمّض ؛ أي لا تستقص وكن كأنّك لم تبصر.
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٢٦٧) ؛ أي (غَنِيٌّ) عن صدقاتكم محمود في أفعاله ، ولم يأمركم بالصدقة عن عوض ولكن بلاكم بما أمركم ، فهو مستحقّ للحمد على ذلك وعلى جميع أمره.
وفي الآية إباحة الكسب وإخبار أن فيه ما هو طيّب ، قال صلىاللهعليهوسلم : [والخير عشرة أجزاء أفضلها التّجارة إذا أخذ الحقّ وأعطى الحقّ]. وقال صلىاللهعليهوسلم : [تسعة أعشار الرّزق في التّجارة ، ولا يفتقر من التجّار إلّا تاجر حلّاف](٢). سئل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : أيّ كسب الرّزق أفضل؟ قال : [عمل الرّجل بيديه ، وكلّ بيع مبرور](٣). وقال صلىاللهعليهوسلم : [يا معشر التّجّار ، إنّ هذا البيع يحضره اللّغو والكذب ، فشوّبوه بالصّدقة](٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٨١٤): «عن عطاء يقول : علّق إنسان ...». وله شاهد من حديث أبي داود في السنن : كتاب الزكاة : باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة : الحديث (١٦٠٧). والحشف : هو من التمر ما لم ينو ، فإذا يبس صلب وفسد.
(٢) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٤٩٥ ؛ قال السيوطي : «أخرجه سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الرحمن الأزدي». وفي المطالب العالية لابن حجر : الحديث (١٣٦٨). وفي الهامش قال البوصيري : رواه مسدد مرسلا بسند صحيح. ونعيم بن عبد الرحمن بصري ، ذكره ابن حبان في الثقات (باختصار).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ١٤١. والطبراني في الكبير : ج ٢٢ ص ١٦٣ : الحديث (٥١٩). والحاكم في المستدرك : كتاب البيوع : باب ليس منا من غشّنا : الحديث (٢٢٠٥) عن رافع بن خديج. وفي مجمع الزوائد : ج ٤ ص ٦٠ : كتاب البيوع ؛ قال الهيثمي : «رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه المسعودي وهو ثقة».
(٤) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١٨ ص ٢٩٧ : الحديث (٩٠٣ و ٩٢١) ، وفي المعجم الأوسط : الحديث (١٢٥٤) وإسناده صحيح.