... |
|
برّاق أصلاد الجبين الأجله (١) |
وهذا مثل ضربه الله لنفقة المنافق والمرائي والمؤمن الذي يمنّ بصدقته ويؤذي ؛ يعني أنّ الناس يرون أن لهؤلاء أعمالا كما ترى التراب على هذا الصّفوان ، وإذا كان يوم القيامة اضمحلّ وبطل ؛ لأنه لم يكن لله كما أذهب الوابل ما كان على الصّفوان من التراب ، (فَتَرَكَهُ صَلْداً) لا شيء عليه.
قوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) ؛ أي لا يقدر المانّ بنفقته والمؤذي والمنافق على ثواب شيء مما أنفقوا ، كما لا يقدر أحد من الخلق على التراب الذي كان على الحجر الأملس بعد ما أذهبه المطر الشديد.
قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٢٦٤) ؛ أي لا يهديهم حتى يخلصوا أعمالهم. وقيل : لا يهديهم بالمثوبة لهم كما يهدي المؤمنين. وأصل الوابل من الوبيل وهو الشديد كما قال تعالى : (أَخْذاً وَبِيلاً)(٢). ويقال : وبلت السّماء تبل ؛ إذا اشتدّ مطرها. والصّلد : الحجر الأملس الصلب ، ويسمى البخيل صلدا تشبيها له بالحجر في أنه لا يخرج منه شيء. ويقال للأرض التي لا تنبت شيئا : صلدا ، وصلد الزّند صلودا إذ لم يور نارا.
وفي الآية دلالة على أنّ الصدقة وسائر القرب إذا لم تكن خالصة لله تعالى لا يتعلّق بها الثواب ، ويكون فاعلها كمن لا يفعل ؛ ولهذا قال أصحابنا : لا يجوز الاستئجار على الحجّ وسائر الأفعال التي من شرطها أن تفعل على وجه القربة ؛ لأن أخذ الأجرة عليها يخرجها من أن تكون قربة.
ثم ضرب جلّ ذكره لنفقة المخلصين المثيبين مثلا آخر أعلى من المثل الأول فقال : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ ؛) أي
__________________
(١) بيت من الرجز في ديوان رؤبة بن العجاج ، طبعة ليبسك ، ص ١٦٥. (ولأجله) من (الجله) أشد من الحلج ، وهو ذهاب الشّعر من مقدم الجبين.
(٢) المزمل / ١٦.