قوله : (وَمَغْفِرَةٌ) ؛ قال ابن جرير : (ومعنى (مَغْفِرَةٌ) أي ستر منه عليه لما علم من خلّته وفاقته) (١). وقيل : يتجاوز عن السائل إذا استطال عليه عند ردّه ؛ علم الله أنّ الفقير إذا ردّ بغير شيء شقّ عليه ذلك ، فربّما دعاه ذلك إلى بذاءة اللسان وإظهار الشكوى ، وعلم ما يلحق المانع منه فحثّه على العفو والصّفح.
روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [إذا سأل السّائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتّى يفرغ منها ، ثمّ ردّوها عليه بوقار ولين وببذل يسير أو ردّ جميل ، فإنّه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جانّ ينظر كيف صنعكم فيما خوّلكم الله من النّعم](٢).
قوله عزوجل : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (٢٦٢) ؛ أي (غَنِيٌّ) عن صدقات العباد ، (حَلِيمٌ) إذا لم يعجّل بالعقوبة على الذي «منّ» (٣) بصدقته. روى بشر بن الحارث ؛ قال : رأيت عليّا رضي الله عنه في المنام ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، تقول شيئا لعلّ الله ينفع به؟ فقال لي : ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله عزوجل ، وأحسن منه صبر الفقراء عن الأغنياء ثقة بالله عزوجل.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ؛ أي تبطلوا صدقاتكم بذلك كإبطال من ينفق ماله مراءاة وسمعة ليروا نفقته ويقال : إنه سخيّ كريم صالح ، يعني بذلك المنافق الذي ينفق ماله لا رغبة في الثواب ولا رهبة من العقاب ، بل خوفا من الناس ورياء لهم أنه مؤمن. (فَمَثَلُهُ) ؛ أي مثل نفقة هذا المنافق المرائي ؛ (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) ؛ أي كحجر أملس ؛ (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) ؛ أي مطر كثير شديد الوقع فذهب بالتراب الذي كان «على» الحجر ، وبقي الحجر يابسا لا شيء عليه.
قوله تعالى : (فَتَرَكَهُ صَلْداً) ؛ أي حجرا صلبا أملسا لا يبقى عليه شيء ، وهو من الأرض ما لا ينبت ، ومن الرؤوس ما لا شعر عليه. قال رؤبة :
__________________
(١) جامع البيان : مج ٣ ص ٨٩ : تفسير الآية. وفيه : «من خلقته وسوء حالته».
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ٣١٠ ؛ قال القرطبي : «روي عن عمر رضي الله عنه».
(٣) سقطت من أصل المخطوط ، وتقتضيها ضرورة السياق.