قوله عزوجل : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ؛) وجه اتصال هذه الآية بما قبلها آية أخرى فيما تقدّم ذكر النفقة في الجهاد بقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(١) ، ثم ذكر ما كان من مسألة قوم أشمويل من الله أن يبعث له ملكا يقاتلون معه أعداءهم ، وكانت الغلبة لهم مع قلّة عددهم ، ثم عقّبه الله تعالى بذكر أمور تدلّ على وحدانيّته ، فبيّن أنّ الكفر بعد هذه الآيات أعظم وأشنع ، فمن كفر بعد هذا فقاتلوه وأنفقوا في القتال ، فإنّ النفقة في القتال تكون بسبعمائة.
وعن ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية والّتي بعدها في شأن عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنهما. أمّا عثمان فجاء إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، فقال : عليّ جهاز من لا جهاز له ، وأشتري بئر رومة وأجعلها سبيلا للمسلمين. وأمّا عبد الرّحمن فكان له ثمانية آلاف ، فجاء بأربعة آلاف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ لي ثمانية آلاف ؛ أمسكت نصفها لنفسي ولعيالي ؛ وأقرضت نصفها لربي وهي هذه. فقال صلىاللهعليهوسلم : [بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت] وأمر بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقبضت منه) (٢).
ومعنى الآية : صفة (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي) طاعة الله كصفة (حبّة) ألقيت في الأرض وأخرجت (سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) أي كما تكون الحبّة واحدة والمكتسب منها سبعمائة ، فكذلك النفقة تكون واحدة والمكتسب بها سبعمائة ضعف.
قوله تعالى : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) ؛ أي كما يضاعف الله في زرع الزّرّاع الحادث من البذر الجيّد في الأرض العامرة ، كذلك يضاعف للمرء الصالح
__________________
(١) البقرة / ٢٤٥.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : تفسير الآية ٧٩ من سورة التوبة : الحديث (١٣٢٢٠ ـ ١٣٢٣٣). في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ج ٧ ص ٣٢ ؛ قال الهيثمي : «رواه البزار من طريقين ؛ أحدهما متصلة عن أبي هريرة ، والأخرى مرسلة». وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري : شرح الحديث (٤٦٦٨) ؛ قال ابن حجر : «وأصح الطرق فيه ثمانية ألف درهم».