وقال ابن جريج والسديّ : (جزّأها سبعة أجزاء ووضعها على سبعة أجبال ، وأمسك رؤوسهنّ عنده ثمّ دعاهنّ : تعالين بإذن الله ، فجعل الرّيش كلّ ريشة تطير إلى الأخرى ، وكلّ قطرة من الدّم تطير إلى الأخرى ، وكلّ عظم يطير إلى الآخر ، وكلّ قطعة تطير إلى الأخرى ، وإبراهيم ينظر حتّى التقت كلّ جثّة بعضها إلى بعض حتّى سوّاهنّ الله تعالى. ثمّ جئن يسعين على أرجلهنّ بغير رؤوس ، فعلّق عليهنّ إبراهيم رؤوسهنّ).
واختلفوا في معنى السّعي ؛ قال بعضهم : هو الإسراع في المشي. وقال بعضهم : مشيا على أرجلهن. والحكمة في المشي دون الطيران كونه أبلغ في الحجّة وأبعد من الشبهة ؛ لأنّها لو طارت لتوهّم متوهّم أنّها غير تلك الطيور ، أو أنّ أرجلها غير سليمة.
قال أبو الحسن الأقطع : (صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : [لكلّ آية ظهر وبطن](١) فظاهر هذه الآية ما ذكره المفسّرون ، وباطنها أنّ إبراهيم أمر بذبح أربعة أشياء في نفسه بسكّين اليأس كما ذبح في الظّاهر الأربعة الطّيور بسكّين الحديد ، فالنّسر مثّل لطول العمر والأمل ؛ والطّاووس زينة الدّنيا وبهجتها ، والغراب الحرص ؛ والدّيك الشّهوة).
قوله تعالى : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٦٠) ؛ أي غالب على كلّ شيء لا يمتنع عليه ما يريد ؛ (حَكِيمٌ) فيما يريد لا يفعل إلا ما فيه حكمة ، قال بعضهم : كانت هذه القصة قبل أن يولد لإبراهيم ولد ؛ وقبل أن تنزل عليه الصّحف ، وكان يومئذ ابن خمس وتسعين سنة.
__________________
(١) الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أنزل القرآن على سبعة أحرف ، لكلّ آية منها ظهر وبطن]. أخرجه الطبري في جامع البيان : المقدمة : الحديث (٩) ، وفيه انقطاع ، ومن طريق موصول. وابن حبان في الصحيح (الإحسان) : كتاب العلم : الحديث (٧٥). وحسّنه الشيخ شعيب حفظه الله ، ثم علق التحسين بشرطه.
وقطعا لا يذهب النابه إلى مقولة البعض الذين يقولون بالظاهر الذي يعلمه علماء المسلمين والباطن الذي يعرفه أهل الحقيقة. فإن هذا من التلاعب وضرب من التقوّل أو العبث بدلالات الألفاظ لا على أصول معتبرة أو قواعد العلم الشرعي ولسان العرب.