ذلك لأتى به ، فكان يزداد فضيحة عند الناس. وقيل : خذله عن هذا القول ، فلم يوفّق للسؤال.
قوله تعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) البهت في اللغة : هي مواجهة الرجل بالكذب عليه ؛ يقال : بهت يبهت بهتانا ، وباهت يباهت مباهتة. وفي الحديث : [إنّ اليهود قوم بهت](١) أي كذبة. والبهت الحيرة عند انقطاع الحجة أيضا. وفيه لغات : بهت وبهت وبهت ، وأجودها بهت بضمّ الباء.
قوله عزوجل : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ؛ عطف هذه الآية على معنى الكلام الأول لا على اللفظ ، كأنه قال : أرأيت كالذي (حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ).
قال ابن عباس : (نزلت هذه الآية في عزير بن شريحيّا ، وكان من علماء بني إسرائيل ، سباه بختنصّر من بيت المقدس إلى أرض بابل حين سلّطه الله عليه فخرّب بيت المقدس ، فخرج عزير في أرض بابل ذات يوم على حمار ، فمرّ بدير هرقل على شاطئ دجلة ، فطاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وعامّة شجرها حامل ، فجعل يتعجّب من خراب القرية وموت أهلها وكثرة حملها وهي ساقطة على سقوفها. وذلك أنّ السّقف يقع قبل الحيطان ، ثمّ تقع الحيطان عليه. فأخذ شيئا من التّين والعنب ، وعصر العنب فشرب منه ، ثمّ جعل فضل التّين في سلّة وفضل العنب في الأخرى وفضل العصير في الزّقّ ، ثمّ نظر إلى القرية ف (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) ؛ أي كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها وموت أهلها!؟
لم يكن هذا القول منه إنكارا للبعث ، لكن أحبّ أن يرى كيف يحيي الله الموتى فيزداد بصيرة في إيمانه ، فنام في ذلك الدّير ؛ (فَأَماتَهُ اللهُ) في منامه ؛ (مِائَةَ عامٍ) ؛ وأعمى عنه السّباع والطّير ، ثمّ أحياه فنودي : يا عزير : (كم لبثت)؟ وكان أميت في صدر النّهار ، (ثُمَّ بَعَثَهُ) ؛ بعد مائة سنة في آخر النّهار ،
__________________
(١) شطر من حديث طويل ؛ أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب أحاديث الأنبياء : الحديث (٣٣٢٩) عن أنس رضي الله عنه.