فظنّ أنّ مقدار لبثه يوم ، (قالَ كَمْ لَبِثْتَ)؟ ف (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً) ، فلمّا نظر إلى الشّمس قد بقي منها شيء ، فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ؛ فنودي؟.
(قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ؛) ميتا ، (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) ، من التّين والعنب ، (وَشَرابِكَ) ، العصير ، (لَمْ يَتَسَنَّهْ) ؛ أي لم يتغيّر طعمها بعد مائة عام ولم تغيّرها السّنون ؛ فنظر فإذا بالعنب والتّين كما شاهده وبالعصير طريّا.
ثمّ قيل له : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) ؛ فنظر فإذا هو عظام بيض تلوح قد تفرّقت أوصاله ، فسمع صوتا : (أيّتها العظام البالية إنّي جاعل فيكنّ روحا فاجتمعن) فارتهشت العظام وسعى بعضها إلى بعض ، قال : فرأيت الصّلب يسعى كلّ فقرة منها إلى صاحبتها ، ثمّ رأيت الوركين يسعيان إلى مكانهما ؛ والسّاقين إلى مكانهما ؛ والعطفين (١) إلى مكانهما ، ثمّ رأيت كلّ الأضلاع يسعى كلّ واحد منهم إلى فقرته ، ثمّ رأيت الكعبين سعيا إلى مكانهما ؛ والذّراعين إلى مكانهما ، ثمّ رأيت العنق يسعى كلّ فقرة منه إلى صاحبتها ، ثمّ جاء الرّأس إلى مكانه ، ثمّ رأيت العصب والعروق واللّحم ألقي عليه ، ثمّ بسط عليه الجلد ، ثمّ دري عليه الشّعر ، ثمّ نفخ فيه الرّوح ، فإذا هو قائم ينهق. فخرّ عزير ساجدا لله تعالى ؛ وقال عند ذلك : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). قال ذلك حين تبيّن له من كمال القدرة البلاء في حماره ؛ والموت في نفسه ؛ والبقاء في العنب والعصير اللّذين هما من أسرع الأشياء فسادا أو تغيّرا ، ثمّ مشاهدة البعث بعد الموت (٢).
قال ابن عباس : (وبعث وهو شابّ ابن أربعين سنة على السّنّ الّذي أميت عليها ، وكان ابنه في ذلك الوقت ابن عشرين سنة ، فصار لابنه مائة وعشرون سنة ، ولعزير أربعين سنة على السّنّ الّتي أميت عليها ، فذلك قوله تعالى : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) ؛ ثمّ إنّه رجع إلى بني إسرائيل وهو يقرأ التّوراة كلّها عن ظهر قلبه ، فأملاها عليهم لم يخرم منها حرفا واحدا ، وكانت التّوراة قد ذهبت عنهم ،
__________________
(١) العطف : المنكب ، وعطفا الدابّة والرّجل : جانباه من لدن رأسه إلى وركه.
(٢) أخرج معناه الطبري في تفسير الآية بأسانيد عن ابن عباس ووهب بن منبه.