قوله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ؛) وذلك أن نمرود قال لإبراهيم : من ربّك؟ قال (إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) عند انقضاء الأجل. ف (قالَ ؛) نمرود : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) قال إبراهيم : ائتني ببيان ذلك؟ فأتى برجلين من سجنه وجب عليهما القتل ؛ فقتل أحدهما وترك الآخر. فقال : هذا قد أحييته ، وهذا قد أمتّه (١). (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ؛) أي تحيّر وانقطع بما ظهر عليه من الحجّة ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨) ؛ أي لا يرشد المشركين إلى دينه وحجّته.
فإن قيل : لم لم يثبت إبراهيم على الحجّة الأولى ؛ والانتقال من الحجة إلى حجّة أخرى في المناظرة غير محمود؟ قيل : عنه أجوبة :
أحدها : أن إبراهيم كان داعيا ولم يكن مناظرا ، فمى كان يراه أقرب إلى الهداية أخذ به.
والثاني : أنه روي أنه قال لنمرود : إنك أمتّ الحيّ ولم تحيي الميّت ، والانتقال بعد الإلزام محمود.
والثالث : أن نمرود كان عالما أن ما ذكره ليس بمعارضة وكان من حوله من أصحابه يوقنون بكذبه في قوله : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) لكن أراد التمويه على أغمار (٢) قومه كما قال فرعون للسحرة حين آمنوا : أن هذا المكر مكرتموه في المدينة ، كذلك فعل نمرود بقوله : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). فترك إبراهيم إطالة الكلام ، وعدل إلى حجّة مسكتة لا يمكنه التمويه فيها.
فإن قيل : فهلّا قال نمرود لإبراهيم : إن مجيء الشمس هو العادة؟ فقل لربك حتى يأتي بها من المغرب! قيل : علم لما رأى من المعجزات التي ظهرت أنه لو سأله
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٥٨٢) عن قتادة ، والنص (٤٥٨٣) عن مجاهد ، والنص (٤٥٨٤) عن زيد بن أسلم.
(٢) في لسان العرب : (غمر) ؛ قال : «المغمّر من الرجال : إذا استجهله الناس».