قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٢٥٣) ؛ أي ولو شاء الله لم يقتتلوا مع اختلافهم بأن يأمر المؤمنين بالكفّ عن القتال ، وبأن يلجئهم جميعا إلى ترك القتال ، (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من تقدير الاتّفاق والاختلاف وغير ذلك من مّا توجبه الحكمة.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) ؛ حثّ على الانفاق في الجهاد في سبيل الله.
وقيل : هو الأمر بالزكاة المفروضة. وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) يعني يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ) أي ليس فيه فداء (وَلا خُلَّةٌ) أي ليس فيه خلّة لغير المؤمنين. وأما المؤمنون فتكون لهم خلّة كما قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)(١). قوله تعالى : (وَلا شَفاعَةٌ) أي لغير المؤمنين ، وأما المؤمنون فيشفع بعضهم لبعض ويشفع لهم الأنبياء والرسل عليهمالسلام.
قوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ؛) (٢٥٤) ؛ أي هم الذين ظلموا أنفسهم حتى لا خلّة لهم ولا شفاعة. وكان عطاء يقول : (الحمد لله الّذي لم يقل : والظّالمون هم الكافرون ؛ لأنّ كلّ كافر ظالم وليس كلّ ظالم كافرا).
قوله عزوجل : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ؛) ذكر وحدانية الله تعالى وصفته ؛ ليعلم أنّ من كان بهذه الصفة لا يخفى عليه كفر من كفر ومعصية من عصى ؛ فيجازي كلّ عابد على ما عمل. فأول هذه الآية نفي معبود الكفّار وإثبات معبود المؤمنين ؛ وإثبات الشيء مع نفي غيره أبلغ في الإثبات ، كأنه قال : (الله لا إله إلا هو) دون غيره ، وهو المعبود لا معبود للخلق سواه.
ومعنى (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الدائم الذي لا يموت موصوف بالبقاء على الأبد ، وبه حيّى كلّ حيّ. وأما القيوم فهو القائم بتدبير الخلق في شأنهم وأرزاقهم وأعمالهم وآجالهم ومجازاتهم على عملهم ، وقيل : معنى القيوم العالم بالأمور من قولهم : فلان
__________________
(١) الزخرف / ٦٧.