يقوم بهذا الكتاب ؛ أي يحسنه ويعلم ما فيه. وقيل : معنى (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الدائم الذي لا يزول.
قوله عزوجل : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ؛) أي لا يأخذه نعاس ولا نوم. والنّعاس : اسم لأوّل ما يدخل في الرأس من النوم قبل وصوله إلى القلب. والنوم هو الذي يصل إلى القلب فيستثقل. ومعنى الآية : لا يغفل عن تدبير الخلق ، فإن قيل : ما معنى نفي النوم بعد نفي النعاس؟ قلنا : مثل هذا اللفظ إنّما يكون لنفي قليل النوم وكثيره ، ونظيره قول العرب : فلان لا يملك قليلا ولا كثيرا.
قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ؛) أي هو مالك السموات والأرض وما فيهما ، كلهم عبيده وإماؤه وتحت قبضته وقدرته.
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ؛) هذا جواب عن قول المشركين في أصنامهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ)(١) و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(٢) ؛ أي لا يشفع أحد لأحد عند الله إلا بأمره ورضائه ، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض بالدعاء ، وكما يشفع الأنبياء للمؤمنين.
قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ؛) أي (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة ، (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا. قال مجاهد : على العكس من هذا (٣). وقيل : يعلم الغيب الذي تقدّمهم والذي يكون بعدهم.
قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) ؛ أي لا يعلمون الغيب لا ممّا تقدّمهم ولا ممّا يكون بعدهم إلا بما شاء الله أن يعلموه ، وهو ما أنبأ به الأنبياء صلوات الله عليهم.
قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ؛) قال ابن عباس : (كرسيّه : علمه) (٤) ، فلا يخفى عليه شيء ممّا في السّموات والأرض. وقيل : وسعت
__________________
(١) يونس / ١٨.
(٢) الزمر / ٣.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٥١١).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤٥١٥).