كلّمه الله من غير سفير ، (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ) فوق بعض (دَرَجاتٍ) ؛ أي اتّخذ الله إبراهيم خليلا ، وسخّر لسليمان الريح والجنّ والشياطين وعلّمه منطق الطير. وقال مجاهد : (وأراد بهذه الآية فضيلة محمّد صلىاللهعليهوسلم على جميع الأنبياء صلوات الله عليهم كما قال تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(١)) (٢). وقيل : هو إدريس كما قال تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)(٣).
قوله تعالى : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؛) أي أعطيناه الدلالات على إثبات نبوّته من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإنباء بما غاب عنه ، (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي قوّيناه وأعنّاه بجبريل الطاهر حين أرادوا قتله حتى رفعه الله إلى السماء (٤). وقال الحسن : (الرّوح جبريل ، والقدس هو الله تعالى ؛ فيصير تقدير الآية : وقوّيناه بروح الله تعالى). وعن ابن عباس أنه قال : (القدس اسم الله الأعظم الّذي كان به عيسى عليهالسلام يحيي الموتى) (٥).
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ؛) أي لو شاء الله لم يقتتل الذين من بعد الرسل من بعد ما وضحت لهم الحجج والدلائل كما قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى)(٦). وقيل : معناه : ولو شاء الله لأنزل آية تضطرّهم إلى الإيمان وتمنعهم عن الكفر كما قال تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(٧).
وقوله تعالى : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) أي شاء اختلافهم فاختلفوا. ويقال : لم يلجئهم إلى الإيمان ؛ لأنّ التكليف لا يحسن مع الضرورة ، والجزاء لا يحسن إلا مع التّلجئة.
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) أي بالكتب والرسل.
__________________
(١) الانشراح / ٤.
(٢) ذكر الطبري معناه في جامع البيان : النص (٤٤٩١).
(٣) مريم / ٥٧.
(٤) ذكره الطبري في جامع البيان : تفسير الآية.
(٥) رواه الطبري في جامع البيان : النص (١٢٣٢) : تفسير الآية ٨٧ من سورة البقرة.
(٦) الأنعام / ٣٥.
(٧) الشعراء / ٤.