البيضة وخلط دماغه وخرج من قفاه ، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا ، وهزم الله الجيش وخرّ جالوت قتيلا.
فأخذه داود وجرّه حتى ألقاه بين يدي طالوت ثم قال له : أنجزني ما وعدتني وأعطني امرأتي ، فقال له طالوت : أتريد ابنة الملك بغير صداق ، قال : ما شرطت عليّ صداقا ، وليس لي شيء. فزوّجه ابنته ، واراد أن يدفع إليه نصف ملكه فقال له وزير : إن دفعت إليه ذلك نازعك في الملك وأفسد عليك ملكك ، فامتنع طالوت من ذلك وقصد قتله ، فهرب داود عليهالسلام فندم طالوت فخرج في طلبه حتى أتى على امرأة من قدماء بني إسرائيل وهو يبكي على داود ، فضرب بابها ؛ فقالت : من هذا؟ قال : أنا طالوت ، قالت : أنت أشقى الناس ؛ طردت داود وقد قتل جالوت وهزم جنوده ، قال : إنّما أتيتك لأسألك ما توبتي؟ قالت : توبتك أن تأتي مدينة كذا وتقاتل أهلها ، فإن فتحتها فهي توبتك ، وإن قتلت فهي عقوبتك (١).
فانطلق طالوت إلى تلك المدينة فقاتل أهلها حتى قتل. فاجمع بنو إسرائيل فملّكوا داود عليهالسلام من بعده. فذلك قوله تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) ؛ أي جمع له بين الملك والنبوّة. والحكمة هي النبوّة ، ولم يجتمع كلاهما لأحد إلا لداود وسليمان عليهمالسلام. قوله عزوجل : (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) ؛ أي علّمه الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من العلوم ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ؛ أي ولو لا دفع الله بأس المشركين بالغزاة والمجاهدين كما دفع بداود شرّ جالوت لفسدت الأرض بأهلها لغلبة الكفار. وقيل : معناه : لو لا الأنبياء صلوات الله عليهم الدّاعون إلى سبيله الناهون عن الفساد ؛ لفسدت أحوال الناس.
__________________
(١) أخرج هذه القصة الطبري في جامع البيان : النص (٤٤٧٧ ـ ٤٤٨٤) من رواية وهب بن منبه ، وعلى ما يبدو أنّها من الإسرائيليات.