صورهم ، بل على إصلاح قلوبهم ، فقل لإيشا : هل لك ولد غيرهم؟ فقال : لا ، فقال : رب إنه زعم أنه لا ولد له غيرهم ، فقال : كذب. فقال له : إنّ ربك كذّبك ، فقال : صدق الله ، إن لي ابنا صغيرا يقال له داود استحيت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ، فجعلته في الغنم يرعى وهو في شعب كذا ، وكان داود عليهالسلام قصيرا مشقا أزرقا ، فخرج طالوت في طلبه ، فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها الغنم ، فوجده يحمل شاتين يجوز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء ، فلما رآه قال : هذا هو لا شكّ فيه ، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم. فدعاه فوضع القرن على رأسه ؛ ففاض ، قال : هل لك أن تقتل جالوت وأزوّجك بابنتي وأعطيك نصف مملكتي ، قال : نعم ، قال له : فهل جرّبت نفسك في شيء ، قال : نعم ؛ وقع الذئب في غنمي فضربته ثم أخذت برأسه وجسده وقطعت رأسه من جسده ، فقال له طالوت : إن الذئب ضعيف ، فهل جربت نفسك في غيره ، قال : نعم ؛ دخل الأسد في غنمي ؛ فضربته وأخذت بلحييه فشققتهما.
فمضى به طالوت إلى عسكره ، فمرّ داود بثلاثة أحجار فقلن له : خذنا معك ففينا ميتة جالوت ، فأخذهنّ ثم مضى. فلما تصافّوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة ، انتدب إليه داود ، فأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا ، فقال داود : إنّي لم أتعود القتال بهذا ، ولكني أقاتله بالمقلاعة كما أريد ، فأخذ داود المقلاعة ومضى نحو جالوت.
وكان جالوت من أشدّ الناس وأقواهم ، وكان له بيضة هي ثلاثمائة رطل من حديد ، فلما نظر إلى داود ألقي في قلبه الرعب ، وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التامّ ، قال : برزت إليّ بالمقلاعة والحجر لتقتلني كما تقتل الكلب ، قال : نعم ؛ لأنك شرّ من الكلب. قال جالوت : لا جرم لأقسمنّ لحمك بين سباع الأرض وطيور السماء. فقال داود : بل يقسّم الله لحمك ، ثم قال داود : باسم إله إبراهيم ، وأخرج حجرا ووضعه في مقلاعته ، ثم أخرج الحجر الثاني وقال : باسم إله إسحق ؛ ووضعه في مقلاعته ، ثم أخرج الحجر الثالث ، وقال : باسم إله يعقوب ؛ ووضعه في مقلاعته ، فصارت كلّها حجرا واحدا ودوّر المقلاع ورمى به ، فأصاب الحجر أنف