قيل : ابتلاهم الله بذلك النهر ليميّز الصادق من الكاذب ، وكان أشمويل هو الذي أخبر طالوت بذلك ؛ لأنّ الله تعالى (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)(١) فلا يجوز هذا القول إلا من نبيّ. قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ) إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ؛ نصب (قَلِيلاً) على الاستثناء. قرأ ابن مسعود : (إلّا قليل) بالرفع ، كقول الشاعر (٢) :
وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمرو أبيك إلّا الفرقدان |
ومعنى الآية : أنه لمّا عرض لهم النهر وقد اشتد بهم العطش ؛ وقعوا فيه فشربوا كلّهم أكثر من غرفة إلا قليلا منهم ؛ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا كعدّة أهل بدر ، قال صلىاللهعليهوسلم يوم بدر لأصحابه : [أنتم على عدد أصحاب طالوت](٣).
قالوا : فمن اغترف غرفة قوي وصحّ إيمانه وعبر النهر سالما لكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه وخادمه ودوابه. وأما الذين أخذوا أكثر من ذلك وخالفوا اسودّت شفاههم واشتدّت عطشتهم فلم يرووا وبقوا على شطّ النهر وجبنوا عن لقاء العدوّ ولم يشهدوا الفتح.
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ؛ يعني لمّا جاوز طالوت النهر هو والذين صدّقوه وهم القليل الذين لم يشربوا إلا مقدار الغرفة ، (قالُوا) ؛ أي قال الذين شربوا وخالفوا أمر الله وكانوا أهل شرك ونفاق : (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) ؛ وانصرفوا عن طالوت ولم يشهدوا قتال جالوت. قال بعض المفسرين : إن القوم كلّهم جاوزوا النهر ، ثم إن الذين خالفوا في الشرب من النهر اعتزلوا من المطيعين و (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ).
__________________
(١) الجن / ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) البيت لعمرو بن معد يكرب الزبيدي (١٠٠ ق. ه ـ ٢١ ه). في الديوان : ص ١٧٨ ، وهو من الشواهد.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب المغازي : باب عدة أصحاب بدر : الحديث (٣٩٥٩) عن البراء رضي الله عنه.