قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ ؛) أي إن في رجوع التابوت إليكم لعلامة أن الله ملّك عليكم طالوت ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٤٨) ؛ أي مصدّقين بذلك.
قوله عزوجل : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ؛) الآية ، أي فلما خرج طالوت من البلد (بِالْجُنُودِ) يعني خرج بهم من بيت المقدس وهم سبعون ألف مقاتل ؛ وقيل : ثمانون ألفا ، ولم يتخلّف عنه إلا كبير لهرمه أو مريض لسقمه أو ضرير لضرره أو معذور لعذره. وذلك أنّهم لمّا رأوا التابوت قالوا : قد أتانا التابوت وهو النصر لا شكّ فيه ، فسارعوا إلى الجهاد ، فخرج معه خلق كثير ؛ فقال : لا حاجة لي في كلّ ما أرى ، ولا أبتغي إلا كلّ شابّ نشيط فارع ، ولا يخرج معي صاحب تجارة ولا رجل عليه دين ، ولا رجل تزوج امرأة لم يبن بها ؛ لأنّهم يكونون مشغولين. فاجتمع إليه ثمانون ألفا من شرطه. فخرج بهم في حرّ شديد ، فأصابهم العطش ؛ فسألوا الماء ؛ فقال لهم طالوت : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) أي مختبركم بنهر جار ؛ وهو نهر الأردن وفلسطين ؛ ليرى طاعتكم وهو أعلم ؛ (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ؛) أي فليس من أهل ديني وطاعتي ، وليس معي على عدوّي ، (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ؛) أي ومن لم يشربه ، (فَإِنَّهُ مِنِّي ؛) ومعي على عدوّي ، وقد يطلق لفظ الطعم على الشرب ، قال الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا)(١).
قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ ؛) قرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وابن كثير وشيبة ونافع وأبو عمرو وأيوب : (غرفة) بفتح الغين ، وقرأ الباقون بضمّها ؛ وهي قراءة عثمان ، وهما لغتان. قال الكسائيّ : (الغرفة بالضّمّ : الّذي يجعل في الكفّ من الماء إذا غرف. والغرفة بالفتح الاغتراف ، فالضّمّ اسم والفتح مصدر). وقال أبو حاتم : (الغرفة بالضّمّ : ملئ الكفّ وملئ المغرفة ، وبالفتح الواحدة من القليل والكثير). قال الكلبيّ ومقاتل : (كانت الغرفة ليشرب منها الرّجل وخادمه ودابّته).
__________________
(١) المائدة / ٩٣.