ثم قال أشمويل لبني إسرائيل : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ). وإنّما قالوا ذلك لأنه كان في بني إسرائيل سبطان ؛ سبط نبوّة وسبط مملكة. وكان سبط النبوة لاوي بن يعقوب ومنه موسى وهارون ، وسبط المملكة سبط يهودا بن يعقوب ومنه كان داود وسليمان ، ولم يكن طالوت من هؤلاء ولا من هؤلاء ، وإنّما هو من سبط بنيامين بن يعقوب ، فمن أين يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه. ومع ذلك هو فقير لم يؤت سعة من المال ينفقه علينا كما يفعله الملوك.
(قالَ) ، أشمويل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) ؛ أي اختاره عليكم للملك ، (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) ؛ أي فضّله عليكم بالعلم ؛ وذلك أنه كان أعلمهم في وقته ، فرفعه الله تعالى بعلمه. وقيل : كان عالما بأمر الحرب ، وكان طويلا جسيما وكان يفوق الناس بمنكبيه وعنقه ورأسه. وإنّما سمي طالوت لطوله وقوّته ، فأعلمهم الله تعالى أن العلم هو الذي يجب أن يقع به الاختيار ، وأن الزيادة في الجسم ممّا يهيب به العدوّ.
وقوله تعالى : (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) ؛ أي يعطي ملكه من يشاء ، وهو جلّ وعزّ لا يشاء إلا الحكمة والعدل ، فلا تنكروا ملك طالوت مع كونه من غير أهل الملك ، وأن الملك ليس بالوراثة وإنّما هو بيد الله يؤتيه من يشاء.
قوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٤٧) ؛ أي يوسع على من يشاء ويعلم أين ينبغي أن يكون الملك والسعة ، وإنما قال : (واسِعٌ) بمعنى موسع ، كما يقال : أليم بمعنى مؤلم. وقيل : معناه واسع الفضل ، إلا أنه حذف الفضل كما يقال : فلان كبير ؛ أي كبير القدر. وأما طالوت وجالوت وداود ، فاجتمع فيهم العجمة والتعريف ؛ فلذلك لم ينصرف ، فلو سمّيت رجلا باسم جاموس لا ينصرف وإن كان أعجميّا ؛ لأنه قد تمكّن في العربية ؛ لأنك تدخل عليها الألف واللام فتقول : الجاموس (١).
__________________
(١) طالوت وجالوت اسمان أعجميان معرّبان ، ولذلك لم ينصرفا فضلا عما قال المصنف رحمهالله في حال دخول الألف واللام ؛ أي لا ينصرفا للعلميّة والعجمة الشخصية.