وقد روي : أنّ عمر رضي الله عنه أراد أن يدخل الشّام وبها طاعون ، فاستشار أصحابه بذلك ، فأشار إليه بعض المهاجرين بالرّجوع ، فعزم على الرّجوع ، فقال له أبو عبيدة : (يا أمير المؤمنين ، أتفرّ من قدر الله تعالى؟!) فقال عمر رضي الله عنه : (لو كان غيرك يقولها يا أبا عبيدة! نفرّ من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت بها واديا له عدوتان ؛ إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، ألست إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله). فجاء عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه فقال : (عندي في هذا علم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : [إذا وقع هذا الرّجز في أرض فلا تدخلوها عليه ، وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا عنها]. فحمد الله تعالى عمر رضي الله عنه ورجع (١).
فإن قيل : إذا كانت الآجال مقدرة لا تتقدم ولا تتأخر ، فما وجه النهي منه صلىاللهعليهوسلم عن دخول أرض بها طاعون؟ وأيّ فرق بين دخولها وبين إبقائه فيها؟ قيل : وجه النهي عن الدخول أنه إذا دخلها وبها طاعون فجائز أن يدركه أجل بها فيقول قائل : لو لم يدخلها ما مات ، كما قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)(٢) فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدخل أرضا فيها طاعون لما يخشى أن يموت فيها أحد بأجله ، فيقول الجهّال : لو لم يدخلها لم يمت.
قوله عزوجل : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٤٤) قال أكثر المفسرين : هذا خطاب لهذه الأمة ، معناه : قاتلوا في طاعة الله تعالى ولا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء الذين سمعتم خبرهم ، فلا ينفعكم الهرب واعلموا أنّ الله سميع لما يقوله المنافق بعلمه : الهرب من القتال ، عليم بما يضرّه. وقال
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح : كتاب الطب : باب ما يذكر في الطاعون : الحديث (٥٧٢٩) و (٥٧٣٠) وينظر كتاب الحيل : باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون : الحديث (٦٩٧٣). ومسلم في الصحيح : كتاب السّلام : باب الطاعون والطيرة والكهانة : الحديث (٩٧ / ٢٢١٩) وفيه تفصيل القصة.
(٢) آل عمران / ١٥٦.