قال : ألا أيّتها الأجساد البالية الخاوية ، إنّ الله يأمركنّ أن تقمن بإذن الله ، فقاموا. فرجعوا إلى بلادهم وأقاموا وتوالدوا ، وكان أحدهم إذا اكتسى ثوبا صار عليه كفنا يكون فيه ريح الموت).
وقال وهب : (أصابهم بلاء وشدّة من الزّمان ، فشكوا ما أصابهم فقالوا : يا ليتنا قد متنا فاسترحنا ممّا نحن فيه. فأوحى الله تعالى إلى حزقيل : إنّ قومك قد صاحوا من البلاء ، وزعموا أنّهم لو ماتوا استراحوا ، وأيّ راحة في الموت ؛ أيظنّون أنّي لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت! فانطلق إلى موضع كذا ، فإنّ فيه أمواتا ، فقال الله تعالى : يا حزقيل ، نادهم. وكانت أجسادهم وعظامهم قد تفرّقت ؛ فرّقتها الطّير والسّباع) فنادى حزقيل بالنداء الذي ذكرناه.
ومعنى الآية : ألم يعلم الذين ، وقيل معناه : ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم ، والمراد بالرؤية رؤية القلب لا رؤية العين. وقوله تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ) أي خرجوا هاربين حذر الموت ، وانتصب على أنه مفعول له. وظاهر هذا يقتضي أنّ خروجهم كان على جهة الفرار من الوباء على ما فسّره السديّ.
وقيل في معنى : (أُلُوفٌ) أي مؤتلفوا القلوب لم يخرجوا من تباغض ، ومعنى : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) أي أماتهم ، وقيل : أماتهم الله بشيء يسمعوه ، وسمعت الملائكة.
قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ؛) أي متفضّل على جميع الناس كما تفضّل على هؤلاء بأن أحياهم بعد الموت وأراهم البصيرة لا غاية بعدها ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٢٤٣) ؛ ربّ النّعم. وفي الآية دلالة على أن الموت لا ينفع الهرب منه كما قال تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)(١) وقال تعالى : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ)(٢). وإذا كان الآجال مؤقتة محصورة لا يقع فيها تقديم وتأخير كما قدّر الله تعالى ؛ لم ينفع الفرار من الطاعون وغير ذلك.
__________________
(١) النساء / ٧٨.
(٢) الأحزاب / ١٦.