إلى تتميم الصداق ؛ لأنه إذا تزوّجها ثم طلّقها فقد فعل ما يشينها ، فكان الأفضل أن يعطيها مهرها.
وذهب بعضهم إلى أن (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو وليّ المرأة حتى قال مالك لأبي البكر : أن يسقط نصف الصّداق عن الزوج بعد الطلاق قبل الدخول.
والصحيح : هو الأول ؛ لأن قوله (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) يقتضي عقدة موجودة ، والزوج هو الذي يملك استدامة النكاح وحلّه ، وهو الذي يملك العقد على نفسه من غير وليّ يحتاج إليه. وتكون عقدة النكاح على الحقيقة بيد الزوج. وأما وليّ المرأة فلا يملك العقد عليها إلا برضاها ، ولا يملك إسقاط سائر حقوقها (١).
قوله عزوجل : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ؛) ندب الله كلّ فريق من الزوج والمرأة إلى العفو ، كأنه قال : أيّهما عفا عن صاحبه فقد أخذ بالفضل. وقوله تعالى : (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي أقرب إلى أن يتّقي أحدهما ظلم صاحبه ، فإنّ من ترك حقّه كان أقرب إلى أن لا يظلم غيره بطلب ما ليس له ، ومن بذل النفل كان أقرب إلى بذل الفرض.
قوله تعالى : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ؛ أي لا تتركوا الإحسان والإنسانية فيما بينكم ، (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٣٧) ؛ أي بما تعملون من الفضل والإحسان بصير عالم يجزيكم به. ونسيان الفضل هو الاستقصاء في استيفاء الحقّ على الكمال حتى لا يترك شيئا من حقّه على صاحبه. فظاهر هذه الآية يقتضي أن الزوج إذا كان سمّى لها مهرا بعد عقد النكاح ثم طلّقها ينتصف ؛ وإليه
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ؛ قال القرطبي : «روي الدارقطني مرفوعا من حديث قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ؛ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [وليّ عقدة النّكاح الزّوج] وأسند هذا عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح. قال : وكذلك قال نافع بن جبير ومحمد بن كعب وطاووس ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير ، زاد غيره : ومجاهد والثوري ، واختاره أبو حنيفة ، وهو الصحيح من قول الشافعي ، كلهم لا يرى سبيلا للولي على شيء من صداقها ، للإجماع في أن الولي لو أبرأ الزوج من المهر قبل الطلاق لم يجز ، فكذلك بعده ، وأجمعوا على أن الولي لا يملك أن يهب شيئا من مالها ، والمهر مالها».