وأعلى المتعة : خادم وثياب وورق ، وأدناها : خمار ودرع وملحفة. ولا يجاوز بالمتعة نصف المثل بغير رضا الزوج. وقد اختلف السلف في أن هذه المتعة هل يجبر الزوج عليها أم لا؟ قال شريح : (إنّ القاضي يأمر الزّوج بها من غير أن يجبره عليها) (١). وكان شريح يقول للزوج : (إن كنت من المتّقين أو من المحسنين فمتّعها) (٢).
وأما عندنا فإنّ القاضي يجبر الزوج على المتعة للمرأة التي طلّقها قبل المسيس والفرض ؛ لأنّ الله تعالى قال : (حَقًّا) وليس في ألفاظ الإيجاب آكد من قولهم : (حقّا عليه). وفي قوله : (عَلَى الْمُحْسِنِينَ) بيان أنّها من شروط الإسلام ؛ وعلى كلّ أحد أن يكون محسنا كما قال تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٣) وهو هدى للناس كلهم. وقيل : إنّما خصّ المحسنين بالذكر تشريفا لهم ؛ لأنه لا يجب على غيرهم ، فوصف المؤمنين بالإحسان ؛ لأن الإحسان أكثر أخلاقهم.
قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ؛) معناه : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ) أن تجامعوهنّ وقد سمّيتم لهن مهرا ، فعليكم نصف ما سميتم من المهر ، إلا أن يتركن ما وجب لهن من الصّداق ، بأن تقول إحداهن : ما مسّني ولا قربني فأدع له المهر.
قوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ؛ ذهب أكثر المفسرين إلى أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج ؛ وعفوه أن يترك لها جميع الصّداق ولا يرجع عليها بشيء منه إذا كان قد أعطاها مهرها ؛ وإن لم يكن أعطاها فعفوه أن يتفضّل عليها بأن يتمّ لها جميع مهرها. وقد يكون الصّداق عبدا بعينه أو عرضا بعينه لا يمكن تمليكه بالإسقاط والإبراء من واحد من الجانبين ، فيكون معنى العفو في ذلك الفضل ؛ وفي الآية ما يدلّ على ذلك وهو قوله : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). وإنّما ندب الزوج
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤١١٢).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٤١١٣).
(٣) البقرة / ٢.