جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ؛ أي لا حرج عليكم في تركهنّ بعد انقضاء المدة ليتزيّن زينة لا ينكر مثلها ، ويتزوجن من الأكفاء ويفعلن كلّ معروف. قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٣٤) ؛ أي بما تعملون من الخير والشر عالم يجزيكم به.
فإن قيل : (الَّذِينَ) اسم موصول و (يُتَوَفَّوْنَ) (وَيَذَرُونَ) من صلته ، وجملته مبتدأ ؛ و (يَتَرَبَّصْنَ) فعل الأزواج لا فعل (الَّذِينَ) ولا فيه ضمير عائد إلى (الَّذِينَ) ؛ فيبقى المبتدأ بلا خبر ، والمبتدأ لا يخلو من خبر اسما كان أو فعلا ؛ وليس من ذلك ها هنا شيء؟ قيل : قال أبو العباس السرّاج : (في الآية ضمير تقديره : أزواجهم يتربّصن) لأن الفعل يدلّ على الفاعل. وقال الأخفش : (تقديره : يتربّصن من بعدهم أربعة أشهر) (١) حتى يكون الضمير عائدا إلى (الَّذِينَ). وذكر الزجّاج : أنّ النّون في قوله (يَتَرَبَّصْنَ) قائم مقام الأزواج كناية عنها لا محالة فصار كالتّصريح ، وهذا كما يقال : الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين ؛ معناه يرث ابنتاه الثلثين (٢).
قوله تعالى : (وَعَشْراً) ظاهر لفظ العشر يتناول الليالي ؛ ألا ترى أنه يقال للأيام : عشرة أيام ؛ وإنّما غلب لفظ التأنيث في الآية فقيل : (عشرا) ؛ لأنّ العرب تقدّم الليل على النهار ويعدّون أول كلّ شهر من الليلة ؛ ألا تراهم يصلّون التراويح إذا رأوا الهلال ويدعونها إذا رأوا هلال شوّال. ومن عادتهم أنّهم إذا ذكروا أحد العددين على سبيل الجمع أرادوا مثله العدد الآخر ؛ كما قال تعالى في قصّة زكريّا عليهالسلام : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً)(٣) وقال في موضع آخر : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا)(٤) والقصة واحدة ، فعبّر تارة بالأيام عن الليالي ، وتارة بالليالي عن الأيام.
__________________
(١) في معاني القرآن للأخفش : ج ١ ص ١٧٦ ؛ قال : «فخبر (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ): (يتربّصن بعد موتهم) ولم يذكر (بعد موتهم) كما يحذف بعض الكلام ، يقول : ينبغي لهنّ أن (يتربّصن) ، فلما حذفت (ينبغي) وقع (يتربّصن) موقعها».
(٢) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ١ ص ٢٧٠. ونقله المصنف رحمهالله بتصرف.
(٣) آل عمران / ٤١.
(٤) مريم / ١٠.