وإنّما سمي الفطام فصالا ؛ لانفصال المولود من الاغتذاء بثدي أمّه إلى غير ذلك من الأقوات. وأصل الفصل : القطع والتفريق.
قوله عزوجل : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ؛ أي (وَإِنْ أَرَدْتُمْ) يعني الآباء والأمهات (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) غير الوالدة ، فلا إثم عليكم ، (إِذا سَلَّمْتُمْ) من الأجرة ما تراضيتم به. ولهذا قالوا : إن الأمّ إذا لم تختر أن ترضع الولد بعد الطلاق ، واختارت أن يكون الولد عندها ، أمر الزوج أن يستأجر ظئرا لترضعه في بيت أم الرضيع.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ؛) (٢٣٣) ؛ أي (اتَّقُوا اللهَ) في الضّرار ومخالفة أمر الله ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ) من العدل والجور في أولادكم ونسائكم (بَصِيرٌ) عالم يجزيكم به.
وأما تأويل ذكر الحولين في مدة الرضاع ، فأما أكثر مدّته على قول أبي حنيفة ؛ فعلى بيان مقدار استحقاق نفقة الرضاع وثبوت حكم الحرمة : فثلاثون شهرا على مذهبه. وعن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(١) : (بيان أقلّ مدّة الحمل وأكثر مدّة الرّضاع ؛ لأنّ الله تعالى قال في آية أخرى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ)(٢)). وكان يقول : (إذا كان الحمل لستّة أشهر كان مدّة الرّضاع سنتين ؛ وإذا كان الحمل تسعة أشهر كان الرّضاع سنة وتسعة أشهر). وعلى هذا مهما زاد في الحمل شهرا نقص بإزائه من الرضاع ؛ وهذا يقتضي أن الحمل إذا بلغ سنتين ؛ أنّ المرأة لا ترضع ولدها إلا ستة أشهر. فكان أبو حنيفة يحمل قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) على ذكر الحمل على الأيدي مع بيان مدة أكثر الرضاع.
قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ؛) معناه : إنّ الذين يموتون منكم ويتركون نساءهم من بعدهم ؛ ينتظرون في عدتهن ؛ معنى (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) لا يتزوجن ولا يتزيّنّ في هذه المدة. وقوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ؛) أي إذا انقضت عدتهن ؛ (فَلا
__________________
(١) الأحقاف / ١٥.
(٢) لقمان / ١٤.