وأصل الكلمة (تضارر) بفتح الراء الأولى ؛ ويحتمل أن يكون الفعل لهما ويكون على مذهب من قد سمي فاعله ، والمعنى : لا تضارر والدة بولدها فتأبى أن ترضع ولدها لشفق على أبيه. (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) أي ولا يضارّ الأب أمّ الصبيّ فيمنعها من إرضاعه وينزعه منها ؛ وهذا المذهب أصله (لا يضارر) بكسر الراء الأولى.
وجعل الزجّاج قوله : (لا تُضَارَّ) بالنصب نهيا للوالدة عن الإضرار بالولد. وقوله : (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) نهيا للوالد عن الإضرار بولده. ومعنى ذلك : لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيضا على أبيه فتضرّ بالولد ؛ لأن الوالدة أشفق بولدها من الأجنبية ، ولا يأخذ الأب الولد من أمّه قصدا إلى الإضرار بها فيضرّ بولده ، ولا يمنعها الأجرة فيضرّ بولده.
قوله عزوجل : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ؛) يعني على وارث الولد إذا لم يكن له أب مثل ما على الأب من النفقة والكسوة وترك الإضرار. قال عمر والحسن : (إنّه على العصبات دون أصحاب الفرائض) (١). وقال قتادة : (إنّه على الوارث من العصبات وأصحاب الفرائض جميعا ؛ على كلّ واحد منهم بمقدار نصيبه من الميراث) (٢) إلّا أنّه لم يشرط أن يكون الوارث ذا رحم محرم من الولد ، وقد شرط أصحابنا ذلك.
قوله عزوجل : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ؛) أي إن أراد الأبوان فطام الولد من اللبن دون الحولين بتراضيهما وبتشاورهما ؛ فلا إثم عليهما في ذلك. وعن ابن عباس : (فطام الولد من اللّبن دون حولين بتراضيهما وبمشاورتهما فلا إثم عليهما في ذلك) (٣). وعن ابن عباس : (معناه : إن أرادا فصالا قبل الحولين أو بعدهما بتراضيهما فلا جناح عليهما ؛ فإن تشاقّا رجعا إلى الحولين) (٤).
__________________
(١) أخرجهما الطبري في جامع البيان : النص (٣٩٤١ ـ ٣٩٤٣).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٣٩٤٩).
(٣) بمعناه أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان : النص (٣٩٧٨) عن السدي ، وفي (٣٩٧٩) عن قتادة ، وفي (٣٩٨٠) عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٣٩٧٦ و ٣٩٨٤).