الآية ؛ فلأنّ الله تعالى قال : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) والنكاح هو الوطء في الحقيقة ، وذكر الزوج يفيد العقد لاستحالة أن يكون زوجا من غير عقد ، فكأنّ قوله (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً) كناية مفهمة مغنية عن التصريح.
وأمّا السّنّة : فما روي أنّ رفاعة القرظيّ طلّق امرأته ثلاثا ، فتزوّجها عبد الرّحمن ابن الزّبير ، فجاءت إلى رسول الله تريد أن ترجع إلى زوجها الأوّل ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [هل جامعك عبد الرّحمن؟] فقالت : ما الّذي معه إلّا كهدبة ثوبي هذا. فقال صلىاللهعليهوسلم : [أفتريدين أن ترجعي إلى زوجك الأوّل؟] قالت : نعم ، قال صلىاللهعليهوسلم : [لا ؛ حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك] فندمت على مقالتها ، فقالت : يا رسول الله ، قد طاف بي ، فقال : [لا أصدّقك الآن](١).
قوله عزوجل : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) حكم الطلاقين إذا كان على وجه الخلع ، وأبان عن موضع الحظر والإباحة فيها ، ثم ذكر حكم الطلقة الثالثة بالآية التي بعد هذه الآية. وهذا مما يستدلّ به على أن المختلعة يلحقها الطلاق ؛ لأن عامة الفقهاء اتفقوا على أن تقدير الآية وترتيب أحكامها على
__________________
ـ وقد يقال : إن أمر النية موكول إلى القلوب ، وهذا لا يسلم معه العمل ؛ لا محالة؟ فالجواب : إن الأصل في العقود العمل ، والأصل في عقد النكاح استمتاع كلّ من الزوجين بالآخر ، ومباشرة ذلك ، فالنية معقودة على الاستمتاع ، وانشغال القلب بنية أخرى صرف للنية الأولى ، وهذا إذا كان القلب مشغولا بنية التحايل على الحكم الشرعي ، فهذه نية مفسدة للعمل على سبيل التعبّد ، مما يخرج إلى دائرة الهوى والوقوع بالإثم ، ثم مبطلة للعقد حين تعرف وتبان كما ظهر من أمر زوجة رفاعة القرظي.
أما إذا لم يكن الأمر على سبيل من أمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذوق العسيلة ، كأن كانت النية الصدق والعقد الصحيح ، ومات عنها زوجها الثاني قبل الدخول ، أو طلّقها ؛ فالأمر على ما قال القاضي ابن العربي : «ما مرّ بي في الفقه أعسر منها». والراجح صحة العقد ، وإذا كان الأمر كذلك صحّت النية ، وتعسّر الأمر أو تعذّر ذوق العسيلة ، فالتكليف بزوج ثالث فيه شيء من التكّلف ، فالقول ما قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير بشرطين : الأول : أن يكون النكاح صحيحا. والثاني : أن لا يقصد الزوج الثاني بالنكاح تحليل المرأة للأول ، بل لا يقصدان المرأة والزوج الثاني ذلك ، والله أعلم.
(١) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب اللباس : الحديث (٥٨٢٥).