ولم يتابعه أحد على ذلك (١).
__________________
(١) في المسألة مذهبان : مذهب الجمهور ، ومذهب سعيد بن المسيب ومن تابعه عليه. أما مذهب الجمهور : وهو أن المطلقة ثلاثا لا تحل للأول إلا بشروط ؛ وهي : أن تعتدّ منه ، وتتزوج بغيره ، ويطأها ، ثم يطلقها ، وتعتد من الآخر.
أما مذهب سعيد ، فذكره ابن حزم في المحلى : ج ١٠ ص ١٧٨ ؛ وقال : «روينا من طريق سعيد ابن منصور نا هشيم نا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب في المطلقة ثلاثا ثم تتزوج ، قال سعيد : أما الناس فيقولون : حتى يجامعها ، وأما أنا فإني أقول : إذا تزوجها بتزويج صحيح لا يريد بذلك إحلالا ؛ فلا بأس أن يتزوجها الأول».
وهذه المسألة ليس رأي الإمام سعيد بن المسيب فيها شاذا ، إنما الرواية صحيحة ، ولكن الفهم الآخر غريب ، وليس كما قيل من أنه لم يتابعه أحد عليه ؛ بل تابعه عليه الإمام سعيد بن جبير ، نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ١٤٨ ؛ قال : «من قال بقول سعيد بن المسيب : سعيد بن جبير ، ذكره النحاس في كتاب (معاني القرآن) قال : وأهل العلم على أن النكاح ها هنا الجماع ؛ لأنه قال (زَوْجاً غَيْرَهُ) فقد تقدمت الزوجية ، فصار النكاح الجماع ؛ إلا سعيد بن جبير فإنه قال : النكاح ها هنا التزويج الصحيح ما لم يرد إحلالها».
أما أنه ليس رأيا شاذا ؛ فلأنه لم يطلق القول بتحليلها بمجرد العقد كما نقل البعض عنه بحسب فهمهم لرأيه ، وإنما نظر في المسألة من جهة معتبرة أصوليا حسب القواعد والثوابت ؛ في أحكام القرآن : ج ١ ص ١٩٨ ؛ قال القاضي ابن عربي : «ما مرّ بي من الفقه مسألة أعسر منها ؛ وذلك أن من أصول الفقه : أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أم بأواخرها؟ ... فإن قلنا : إن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا مذهب سعيد بن المسيب ، وإن قلنا إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع تغييب الحشفة في الإحلال ؛ لأنه آخر ذوق العسيلة».
أما قول ابن المنذر الذي نقله الإمام القرطبي في الجامع : ج ٣ ص ١٤٨ ؛ قال : «قال : ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء ؛ وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب ، فقال : (أما الناس فيقولون : لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني ، وأنا أقول : إذا تزوجها تزوّجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها ، فلا بأس أن يتزوجها الأول). وهذا قول لا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ؛ والسنة مستغنى بها عما سواها». فإنه قول لا يضر ، والطائفة من الخوارج أراد سعيد ابن جبير حيث قتله الحجاج بن يوسف الثقفي. أما أنه لا يضر فلأن الأصل في البحث الفقهي النظر في الدليل وليس كثرة من قال ، ثم أن يكون النظر بعمق فكر وانتباه إلى دلالات النص الشرعي من الدليل.