وروي أن امرأة نشزت فرفعت إلى عمر رضي الله عنه فأباتها في بيت الزّبل ثلاث ليال ثم دعا بها فقال رضي الله عنه : (كيف وجدت مبيتك؟) فقالت : ما بتّ ليالي منذ كنت عنده أقرّ لعيني منهنّ. فقال عمر رضي الله عنه لزوجها : (اخلعها ، ولو بقرطها) (١).
قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) ؛ الآية ؛ أي هذه الآيات المنزّلة من الأوامر والنواهي فرائض الله وأحكامه (فَلا تَعْتَدُوها) أي فلا تتجاوزوها ، (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ ؛) أي من يتجاوز أحكام الله ويترك ما أمر الله به أو يعمل بما نهاه ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢٢٩) ؛ الضّارّون لأنفسهم بمعصيتهم. وإذا كان النشوز من قبل الزوج ، فلا يحلّ له أخذه شيئا منها ديانة ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً)(٢).
واختلف السلف رضي الله عنهم في الخلع ؛ هل هو طلاق أو فسخ؟ فذهب بعضهم إلى أنه فسخ ؛ وهي رواية عن ابن عباس ، واستدلّوا بظاهر هذه الآية ؛ فقالوا : إنّ الله ذكر الطلاق الثالث بعد هذا بقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ؛ فلو كان الخلع طلاقا لجعل الطلاق أكثر من ثلاث.
وأكثر فقهاء الأمصار قالوا : الخلع طلاق ؛ وهو «رواية عن» (٣) عمر وعثمان وابن مسعود والحسن وإبراهيم النخعي وغيرهم. وليس في ظاهر هذه الآية أنّ الخلع فسخ ؛ لأن قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا) حكم مبتدأ ؛ إذ (الواو) للاستئناف ؛ إلا أن يقوم دليل الجمع ، فكأنّ الله تعالى ذكر في أول هذه الآية حكم الطلاق بغير بدل وخيّر الزوج بين أن يراجعها في العدة أو يتركها حتى تنقضي عدتها ، ثم استأنف بيان حكم الطلاقين إذا كان على وجه الخلع ، وأبان عن موضع الحظر والإباحة فيها ، ثم ذكر حكم الطلقة الثالثة بالآية التي بعد هذه الآية. وهذا مما يستدلّ به على أن المختلعة يلحقها الطلاق ؛ لأن عامة الفقهاء اتفقوا على أن تقدير الآية وترتيب أحكامها على ما وصفناه ؛ فحصلت التطليقة الثالثة بعد الخلع. شرط في إباحتها للأول ؛ إلا ما روي عن سعيد بن المسيب رواية شاذة : أنّه لم يجعله شرطا ؛
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٣٨٤١) بإسنادين ولفظين ، و (٣٨٤٢).
(٢) النساء / ٢٠.
(٣) «رواية عن» ليس في الأصل المخطوط ، وأضفناه لضرورة السياق.