ومعنى الآية : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا) شيئا مما أعطيتموهن من مهر ولا غيره ، (إِلَّا أَنْ يَخافا.) قال أبو عبيد : (معناه : معلّما ومؤقّتا حقيقته ؛ أي إلّا أن يكون الأغلب عليها على ما ظهر منهما من أسباب التّباعد الخوف من أن لا (يُقِيما حُدُودَ اللهِ) وهو ما فرض الله تعالى للزّوج).
ومن قرأ (يخافا) على فعل ما لم يسمّ فاعله ، كان المعنى إلا أن يخافا عليهما أن لا يقيما حدود الله ، وهو ما فرض الله تعالى للزوج على المرأة ، والمرأة على الزوج. وقد يذكر الخوف في معنى العلم كما قال أبو محجن الثقفيّ (١) :
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة |
|
تروي عظامي بعد موتي عروقها |
ولا تدفنني بالفلاة فإنّني |
|
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها |
وأما قوله عزوجل : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ ؛) أي علمتم بغالب ظنّكم أن لا يكون بينهما صلاح ولا مقام على النكاح. (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ؛ أي لا حرج عليهما في الأخذ والإعطاء. ويقال : معناه : لا حرج على الزوج أن يأخذ ما افتدت به المرأة نفسها مما أعطاها الزوج. قال الفرّاء : (هذا كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)(٢) وإنّما يخرج ذلك من أحدهما ؛ كذلك في هذه الآية أراد بقوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) نفي الحرج عن الزّوج في الأخذ ؛ فأمّا المرأة فهي مفتدية باختيارها ورضاها).
وإنّما يباح للزوج أن يخلعها إذا كان النّشوز من قبل المرأة ؛ وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : (لو اختلعت بكلّ شيء لها لأخذته) (٣).
__________________
(١) رفع الفعل المضارع بعد (أن) لوقوعها بعد الخوف ، بمعنى العلم واليقين ، واسم (أن) المخففة ضمير شأن محذوف أو ضمير متكلم ، وجملة (لا أذوقها) في محل رفع خبرها. أي أعلم إذا متّ أني لا أذوقها ، إشارة منه إلى أن من شرب الخمر في الدنيا لا يشربها في الآخرة.
(٢) الرحمن / ٢٢.
(٣) يذكر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ؛ أخرجه الإمام مالك في الموطأ : كتاب الطلاق : الحديث (٣٢).