عقّبه بقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.) وعن ابن عباس ومجاهد : (أنّ المراد بالآية بيان طلاق السّنّة).
وقوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر والندب ، وفي لفظ المرّتين دليل على أن التفريق سنّة ؛ لأن من طلّق اثنتين معا لا يقال طلّقها مرتين ، وليس في هذه الآية كيفية سنة التفريق. وقد فسّره الله تعالى بقوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ)(١) وأراد بذلك تفريق الطلاق على إظهار العدة ؛ ألا ترى أنه تعالى خاطب الرجال إحصاء العدة ، وذكر الرجعة في سياق الآية بقوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً.) وعلى هذا قال صلىاللهعليهوسلم لابن عمر حين طلّق امرأته في حال الحيض : [ما هكذا أمرك ربّك ؛ إنّما أمرك أن تستقبل الطّهر استقبالا ، فطلّقها لكلّ قرء تطليقة ؛ فإنّها العدّة الّتي أمر الله أن يطلّق فيها النّساء](٢).
قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) أي عليكم إمساكهن بحسن الصحبة والمعاشرة إذا أردتم الرجعة ، (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) أي يتركوهن حتى ينقضي تمام الطّهر ويكنّ أملك لأنفسهن. والإحسان : أن يوفّي الزوج حقّها في المهر ونفقة العدّة ؛ وأن لا يطوّل العدة عليها. وروي أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن هذه الآية ؛ فقيل له : أين التّطليقة الثّالثة؟ فقال : [في قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)](٣).
قوله عزوجل : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) ؛ قال ابن عباس : (نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي
__________________
(١) الطلاق / ١.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : كتاب الخلع والطلاق : باب الاختيار للزوج أن لا يطلق إلا واحدة : الحديث (١٥٣١٣ و ١٥٣١٤). وأخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الطلاق : الحديث (٥٢٥١) ، وفيه أنه صلىاللهعليهوسلم أمر عمر أن يأمر ابنه. وأخرجه مسلم في الصحيح : كتاب الطلاق : باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها : الحديث (١ ـ ١٤ / ١٤٧١). ولم يرد أن الرسول صلىاللهعليهوسلم خاطب ابن عمر مباشرة.
(٣) عن أبي رزين ؛ أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٣٧٨٤) من ثلاثة طرق. وأبو رزين هو الأسدي ، واسمه مسعود ، تابعي كوفي ثقة ، غير أبي رزين العقيلي الصحابي ، فالحديث مرسل.