الشهر الحرام عظيم الذنب عند الله تعالى ، ثم استأنف الكلام فقال : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي منع الناس عن الكعبة أن يأتوها ويطوفوا بها (وَكُفْرٌ بِهِ) أي وكفر بالله تعالى ، ويقال : بالحجّ ، أو كفر بالمسجد الحرام.
وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : وصدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وكفر بالله وإخراج أهل المسجد الحرام منه أعظم عقوبة عند الله من القتال في الشهر الحرام ، أي الكفار مع هذا الإحرام أولى بالعنت ممن قتل مشركا في الشهر الحرام كما قال تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ؛) أي الشرك بالله أعظم عقوبة وإثما من القتال.
ومعنى كفرهم بالمسجد الحرام : أنّ الله جعل المسجد الحرام للمؤمنين ولعبادتهم إياه فيه ، فلما جعله الكفار لأوثانهم ومنعوا المسلمين منه ، كان ذلك كفرا منهم بالمسجد الحرام.
قوله عزوجل : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا ؛) معناه : لا يزال أهل مكة يقاتلونكم أيها المسلمون حتى يصرفونكم عن دينكم الإسلام إلى دينهم الكفر إن قدروا على ذلك ، ثم حذّر الله المؤمنين ليثبتوا على الإسلام فقال عزوجل : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢١٧) ؛ أي من يرجع منكم عن دين الإسلام فيمت على كفره ، (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي التي عملوها للآخرة ؛ أي لا يبقى لعمل من أعمالكم ثواب يجازون به في الدارين ، الآية : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) مقيمون دائمون.
والصّدّ والصّرف والمنع ، يقال : صدّ يصدّ صدّا ؛ إذا صرف غيره عن الشيء ، وصدّ يصدّ صدودا ؛ إذا أعرض بنفسه. ومن قرأ (يرتدد) بدالين فهو لغة أهل الحجاز ، أظهروا التضعيف حذرا من التقاء الساكنين ، ومن قرأ (يرتدّ) بالتشديد فهو لغة بني تميم أدغموا الحرفين من جنس واحد وحرّكوه إلى الفتحة. وقوله : (فَيَمُتْ) جزم بالعطف على (يَرْتَدِدْ) ولو كان جوابا لكان رفعا. وأكثر الأمة على أن النهي عن القتال