في الشهر الحرام منسوخ ؛ نسخته سورة براءة ، وهو قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية (١) ؛ لأنّها نزلت بعد حظر القتال في الشهر.
فإن قيل : إذا كان نفس الارتداد يحبط العمل حتى يبطل حجة الذي أداه ، فأين فائدة قوله : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ)؟ قيل : إنّما ذكر الله تعالى في هذه الآية أمر الآخرة لا أمرا يرجع إلى إحباط عمله في الماضي ؛ إذ المعلوم من حال المرتدّ أنه إذا عاد إلى الإسلام والتوبة والعمل الصالح ومات على ذلك لا يعاقب في الآخرة ، فلما جمع الله في هذه الآية بيّن إحباط عمله فيما يتصل بالدنيا والآخرة حتى يزول ثوابه إلى العقاب الدائم ، كذلك شرط موته على الكفر.
روي في التفسير (٢) : أنه لمّا نزلت هذه الآية قام عبد الله بن جحش وأصحابه ؛ فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع من ربنا أن تكون لنا هذه غزوة في الجهاد ، فنزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢١٨) ؛ معناه أن الذين صدّقوا وهاجروا من مكة إلى المدينة وجاهدوا في محاربة المشركين في طاعة الله تعالى أهل هذه الصفة ، يعطون مغفرة الله تعالى وجنّته ، (وَاللهُ غَفُورٌ) لما كان منهم من القتال والأسر وأخذ الغنيمة في الشهر الحرام ، (رَحِيمٌ) بهم حين رفع إثم ذلك عنهم.
والمهاجرة : مفاعلة من الهجر ، وفي هذا الموضع هجران الموطن والعشيرة في رضا الله تعالى ، والهجر نقيض الوصل ، وأطلق اللفظ في هذه الآية على المفاعلة ، ويزاد ما ذكرناه ؛ ونظيره المساعدة : وهي ضمّ الرجل ساعده إلى ساعد أخيه بالتقوية والمعونة. وأما المجاهدة : فهي بذل الرجل الجهد من نفسه مع إخوانه ، ويجوز أن يراد بذلك أن يبذل الجهد في قتال عدوّه ، وقد فعل العدوّ مثل فعله ، فيصير مفاعلة.
__________________
(١) التوبة / ٢٩ : (... وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)
(٢) رواه الطبري في جامع البيان : تفسير الآية : مج ٢ ج ٢ ص ٤٨٣ : النص (٣٢٧٢).