الإيمان من غير مكابدة ما قاساه السلف من المؤمنين كما قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(١).
وأما القراءة في قوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) من نصب فعلى الأصل ؛ لأن (حَتَّى) تنصب الفعل. ومن قرأ بالرفع أدخل (حَتَّى) على جملة ما بعده لا على الفعل خاصة ؛ كأنه قال : حتى الرسول يقول ، فلا يظهر عمل (حتى). قال الشاعر :
فيا عجبا حتّى كليب تسبّني |
|
كان أباها نهشل أو مجاشع |
قوله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ؛ الآية قال ابن عباس : (نزلت هذه الآية جوابا عن سؤال عمرو بن الجموح الأنصاريّ لمّا حثّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الصّدقة ورغّب فيها النّاس ، وذلك قبل نزول الفرائض ؛ قال عمرو : يا رسول الله ، بماذا نتصدّق؟ وعلى من يتصدّق؟ فأنزل الله هذه الآية) (٢). ومعناه يسألونك أيّ شيء يتصدقون به ، فقل لهم : ما تصدقتم به من مال : فعلى الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل ؛ والضّيف النازل بكم.
قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢١٥) ؛ أي وما تفعلوا من خير من وجوه البرّ فإنّ الله به عليم يحصيه ويجازيكم عليه ، لا يضيع عنده عمل عامل ، فإن قيل : كيف يطابق في هذه الآية جواب هذا السؤال ؛ لأنّ السؤال إنّما وقع على المنفق ، والجواب إنّما وقع على المنفق عليه؟ قيل : إن الجواب مطابق لهذا السؤال ؛ لأن قوله : و (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) يتناول القليل والكثير لشمول اسم الخير ، فكأن الجواب صدر عن القليل والكثير مع بيان من تصرف إليه النفقة ؛ لأن المسؤول إذا كان حكيما يعلم ما يحتاج إليه السائل ؛ أجاب عن كل ما يحتاج إليه ، كما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه سئل عن ماء البحر ؛ فقال : [هو الطّهور ماؤه ؛ الحلّ
__________________
(١) العنكبوت / ٢.
(٢) في الدر المنثور : ج ١ ص ٥٨٥ ؛ قال السيوطي : «وأخرج ابن المنذر عن ابن حبان قال : ... وذكره».