وأما الكتب المنزّلة قبل القرآن فقد روي أنّ الله أنزل على شيث خمسين صحيفة وكان يعمل بها هو ومن معه ومن بعده إلى زمن إدريس ، ثم أنزل الله على إدريس عليهالسلام ثلاثين صحيفة فكان يعمل بها إلى زمن إبراهيم ، ثم أنزل على إبراهيم عشر صحائف ، فكان يعمل بها إلى زمن موسى ، ثم أنزل على موسى عليهالسلام عشر صحائف قبل التوراة ، فكان يعمل بها موسى ومن معه إلى غرق فرعون ، ثم أنزل الله التوراة ، فكان يعمل بها إلى زمن داود ، ثم أنزل الله تعالى الزّبور على داود ، فكان يعمل بها إلى زمن عيسى عليهالسلام ، ثم أنزل الله الإنجيل فكان يعمل بها إلى بعث محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ثم أنزل الله الفرقان ناسخا لما قبله من الكتب.
قوله عزوجل : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ ؛) أي أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ولم تصبكم صفة الذين محنوا من قبلكم ؛ أي ولم تبتلوا كما ابتلي الذين من قبلكم ، (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) أي الشدّة وهي القتل ، (والضّرّاء) والبلاء والفقر والمرض. وقيل : البأساء : نقيض النعماء ، والضرّاء : نقيض السرّاء.
قوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ؛) أي حرّكوا وخوّفوا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي جاهدوا حتى قال كلّ رسول بعث إلى أمته : متى فتح الله؟ يقول الله تعالى : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢١٤) ؛ يعني ألا إنّ نصر الله لك ولأمتك يا محمد قريب عاجل كما نصرت الرسل قبلك ، والمثل قد يذكر بمعنى الصفة كما قال الله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ)(١) أي صفة الجنة ، ذهب السديّ إلى أن هذه الآية نزلت بالمدينة يوم الخندق حين اشتدّت مخافة المؤمنين من العدوّ.
ووجه إيصال هذه الآية بما قبلها : أنّ الله تعالى قال فيما تقدّم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) ثم قال : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا.) وكان المسلمون اتّكلوا على مجرّد اهتدائهم ، فبيّن الله في هذه الآية أنه لا يجوز الاتّكال على مجرّد
__________________
(١) الرعد / ٣٥.