ميتته](١). وإنّما قال ذلك لأنه علم أنّهم لمّا جهلوا حكم ماء البحر ، فإنّهم أشدّ جهلا بحكم ما فيه من المأكول ، كذلك هؤلاء لمّا جهلوا المنفق كان جهلهم بالمنفق عليهم أكثر ؛ فلهذا ذكر الله المنفق عليهم مع ذكر المنفق.
واختلفوا في هذه النفقة المذكورة ؛ هل هي واجبة أم لا؟ قال الحسن : (المراد بها التّطوّع على من لا يجوز وضع الزّكاة فيه كالوالدين والمولودين ؛ ووضع الزّكاة فيمن يجوز وضعها فيهم). وقال السديّ : (هذه الآية منسوخة بآية الزّكاة) (٢). والصحيح أنّها ثابتة الحكم عامّة في الفرض والتطوع ؛ لأن الآية متى أمكن استعمالها لم يجز الحكم بنسخها ، ويحتمل أن يكون المراد بها النفقة على الوالدين والأقربين إذا كانوا محتاجين (٣).
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ؛) قال ابن «.....» (٤) : (لمّا كتب الله الجهاد على المسلمين شقّ ذلك عليهم ، وكرهته نفوسهم ، وقبلته قلوبهم ، وأحبّ الله تعالى أن يطيّب نفوسهم بهذه الآية).
وقيل في وجه اتصالها بما قبلها : أنّ ما قبلها ذكر التعبّد بالنفقة التي تشقّ على البدن ، وفي هذه الآية ذكر ما لا شيء في التعبّد أشقّ منه وهو القتال. ومعنى الآية : فرض عليكم القتال وهو شاقّ عليكم ، وأراد بالكراهة كراهة الطبع لا عدم الرضا بالأمر ، وهذا كما يكره الإنسان الصوم بالصيف من جهة الطبع ، وهو مع ذلك يحبّه ويرضاه من حيث إنّ الله أمره به.
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرج الطبري في جامع البيان : النص (٣٢٣٧) : قال السدي : (يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة ، وإنما هي النفقة ينفقها الرجل أهله ، والصدقة يتصدق بها. فنسختها الزكاة).
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ٣٧ ؛ قال القرطبي : «وقال ابن جريج وغيره : هي ندب ؛ والزكاة غير الإنفاق ، فعلى هذا لا نسخ فيها ، وهي مبيّنة لمصارف صدقة التطوع ، فواجب على الرجل الغني أن ينفق على أبويه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله ، من طعام وكسوة وغير ذلك».
(٤) أسقطه الناسخ سهوا.