فإن قيل : من الذي زيّن للذين كفروا الحياة الدنيا؟ قيل : ذهب بعض المفسرين إلى أن الذي زيّنها لهم إبليس كما قال الله تعالى في آية أخرى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ)(١). وعن الحسن أنه قال : (زيّنها والله لهم الشّيطان ، فلا أحد أذمّ للدّنيا ممّن خلقها قال الله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(٢) وقال تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ)(٣)).
وذهب بعضهم إلى أنّ الله تعالى هو الذي زيّنها لهم ؛ إذ خلق فيها الأشياء المعجبة وركّب الشهوات في قلوب العباد ؛ فنظر الذين كفروا إلى الدنيا بأكثر من مقدارها ؛ فاغترّوا بذلك كما قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(٤). قالوا : إنّما فعل الله ذلك ؛ لأن التكليف لا يتمّ إلا مع الشهوة ، فإن الإنسان لا يجوز أن يكلّف إلا بأن يدعى إلى ما تنفر عنه نفسه أو يزجر عما تتوق إليه نفسه ، وهو معنى قوله عليهالسلام : [حفّت الجنّة بالمكاره ، وحفّت النّار بالشّهوات](٥).
وقرأ مجاهد وحميد : (زيّن للّذين كفروا) بفتح الزاء ، على معنى زيّنها الله عزوجل لهم.
قوله عزوجل : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ؛) قال ابن عباس : (معناه : كان النّاس أهل ملّة واحدة : كفّارا كلّهم في ابتداء عهد نوح عليهالسلام وكذلك في عهد إبراهيم) يعني أنّ أمم الأنبياء عليهمالسلام الذين بعث إليهم الأنبياء كانت كفارا كما كانت هذه الأمة. وجائز أن يقال : كانت أمة واحدة على الكفر وإن كان فيهم مسلمون ؛ إذا كان المسلمون قليلين مقهورين في البقية ؛ لانصراف اسم الأمة إلى الأعمّ الأكثر. وقال قتادة والضحاك : (كان النّاس أمّة واحدة على الحقّ) أي كانوا مؤمنين في زمن آدم عليهالسلام وبعد وفاته إلى مبعث نوح عليهالسلام ، وكان بين آدم ونوح عشرة قرون
__________________
(١) الأنفال / ٤٨.
(٢) النساء / ٧٧.
(٣) الحديد / ٢٠.
(٤) الكهف / ٧.
(٥) أخرجه مسلم في الصحيح : كتاب الجنة : الحديث (١ / ٢٨٢٢). والترمذي في الجامع : أبواب صفة الجنة : الحديث (٢٥٥٩).