وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [يقول الله عزوجل : لو لا أن يجزع عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حرير ولصبّيت الدّنيا عليه صبّا]. ومصداق ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ)(١). وقال صلىاللهعليهوسلم : [لو أنّ الدّنيا عند الله تزن جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء](٢).
وعن قطرب : في قوله تعالى : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) : (أي أنّ الله يعطي العدد المتناهي لا من عدد أكثر منه كما يفعله العباد ، ولكن يعطي المتناهي من غير المتناهي). فإن قيل : أليس الله تعالى قال في آية أخرى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً)(٣) فكيف قال في هذه الآية (بِغَيْرِ حِسابٍ؟) قيل : العطاء من جهة الله عزوجل على ضربين ؛ أحدهما : ثواب ، والآخر : تفضّل ، فما كان ثوابا كان له حساب ؛ لأنه يكون على قدر الاستحقاق بالعمل.
وأما التفضّل فلا يكون له حساب كما قال تعالى : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)(٤). والمراد بقوله : (عَطاءً حِساباً) الثواب دون التفضل ، والمراد بقوله : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) التفضّل ، فإن قيل : كيف قال : بغير حساب ؛ وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [حلالها حساب وحرامها عذاب](٥).
قيل : روي عن عائشة رضي الله عنها في معنى الحساب في المؤمنين : العرض ، [ومن نوقش الحساب عذّب](٦).
__________________
(١) الزخرف / ٣٣.
(٢) علقه الهندي في كنز العمال : النص (١٨٦٠٣).
(٣) النبأ / ٣٦.
(٤) فاطر / ٣٠.
(٥) في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين : الحديث (٢٩٧٧) ؛ قال العراقي : «رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه موقوفا على علي بن أبي طالب بإسناد منقطع». وعلقه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب : النص (٨١٩٢) عن ابن عباس بلفظ : [يا ابن آدم ما تصنع؟ الدّنيا حلالها حساب وحرامها عذاب].
(٦) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الرقاق : باب من نوقش الحساب عذب : الحديث (٦٥٣٦) ، وفي الحديث (٦٥٣٧) بلفظ : [وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلّا عذّب]. ومسلم في الصحيح : كتاب الجنة : باب إثبات الحساب : الحديث (٧٩ و ٨٠ / ٢٨٧٦).