وقال الحسن رضي الله عنه : (معنى الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تكلّموا بكلمة الإيمان ؛ أي أقيموا على الإيمان) حثّ الله تعالى بهذه الآية جميع المؤمنين على الإسلام والطاعة لمن يشري نفسه ؛ ألا تراه قال بعد ذلك : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ؛) أي لا تفعلوا فعل ألدّ الخصام. وقيل : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي لا تقتفوا آثاره ؛ لأنّ ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان.
قوله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٠٨) ؛ أي إنه عدوّ لكم ظاهر العداوة ، فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) وهو لم يبدلنا شخصه؟ قيل : قد كان إبداؤه العداوة لأبينا آدم عليهالسلام حين امتنع من السّجود له وقال : أنا خير منه ، فكان إبداؤه وإظهاره العداوة لأبينا آدم عليهالسلام أبداء وإظهارا لنا.
قوله تعالى : (كافّة) أي جميعا مأخوذ من : ككفت الثّوب ؛ أي جمعته وضممت بعضه إلى بعض. ومعنى كافّة في اللغة : مشتق من كفّ الشّيء يكفّه ؛ أي منعه.
وسميت الراحة مع الأصابع كفّا ؛ لأنّها يكفّ بها عن سائر البدن. ورجل مكفوف : أي كفّ بصره عن النظر. ومنه قيل لحاشية القميص : كفّة ؛ لأنّها تمنع الثوب من أن ينتشر. وكلّ مستطيل فحرفه كفّة بالضم ، وكل مستدير فحرفه كفّة بالكسر نحو : كفّة الميزان.
واختلف القراء في السّلم ؛ فقرأ ابن عباس والأعمش : (السّلم) بكسر السين هنا وفي الأنفال وسورة محمد. وقرأ أهل الحجاز والكسائي بالفتح ، وقرأ حمزة وخلف في الأنفال بالفتح وسائرها بالكسر ، وقرأ الباقون هنا بالكسر والباقي بالفتح ، وهما لغتان.
قوله عزوجل : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٠٩) ؛ أي إن زللتم ؛ أي إن عدلتم عن الطريق المستقيم بالخروج عن طاعة الله إلى المعصية. وقال ابن عباس : (معناه : فإن ملتم إلى أوّل شريعتكم من تحريم لحوم الإبل والسبت). (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) أي الدّلالات والحجج ؛ يعني محمّدا صلىاللهعليهوسلم وشرائعه ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي غالب بالنقمة ولا يعجزه شيء من ذلك.