في هذه الآية : (هو الرّجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقتل عليه) (١) فعلى هذا معنى قوله تعالى : (يَشْرِي نَفْسَهُ) أي يبيع نفسه يبذلها في الجهاد في سبيل الله. وهذا من أسماء الأضداد ، قال الشاعر (٢) في شريت بمعنى بعت :
وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |
أي هلكت. وقوله تعالى : (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) نصب على أنه مفعول له ؛ كأنّه قال : لابتغاء مرضاة الله. وقوله تعالى : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢٠٧) ؛ أي رحيم بهم يرغّبهم في الخير ، ويثيبهم عليه رأفة بهم. ويقال : إنّه لرأفته ورحمته أمرهم ببيع أنفسهم لكي ينالوا من كريم ثوابه ما هو خير لهم.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ؛) قال ابن عباس : (نزلت هذه الآية فيمن أسلم من أهل الكتاب : عبد الله بن سلام وأصحابه ، وذلك أنّهم عظّموا السّبت وكرهوا لحوم الإبل وألبانها ، واتّقوا أشياء كانوا يتّقونها قبل أن يسلموا. وقالوا : يا رسول الله ، إنّ التّوراة كتاب الله ، فدعنا فلنقم في صلاتنا باللّيل؟ فأنزل الله هذه الآية وأمرهم أن يدخلوا في جميع شرائع محمّد صلىاللهعليهوسلم) (٣).
ومعناها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) أي في الإسلام ، وقال مجاهد : (في أحكام الدّين وأعماله) (٤). وأصله من الاستسلام والانقياد ؛ ولذلك قيل للصلح : سلم. وقال حذيفة في هذه الآية : (الإسلام ثمانية أسهم : الصّلاة سهم ، والزّكاة سهم ، والصّوم سهم ، والحجّ سهم ، والعمرة سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنّهي عن المنكر سهم. وقد خاب من لا سهم له) (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٣١٨٠).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ٢١ ؛ قال القرطبي : البرد هنا اسم غلام.
(٣) في الدر المنثور : ج ١ ص ٥٧٩ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن أبي حاتم». وعن عكرمة قال : «أخرجه ابن جرير». وفي جامع البيان عن عكرمة : النص (٣٠٨٨).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٣١٩١).
(٥) الجامع لأحكام القرآن : ج ٣ ص ٢٣.