قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً) ؛ لما توعّد الله المبدّل ؛ خاف الأوصياء من التبديل ، فكانوا ينفذون وصية الميت وإن جار في وصيته واستغرقت كلّ المال ، فأنزل الله هذه الآية وبيّن أن الإثم في تبديل الحقّ بالباطل ، وإذا غيّر الوصيّ من باطل إلى حقّ على طريق الإصلاح فهو محسن فلا أثم عليه.
ومعنى الآية : لمن علم من موص جنفا مثل قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما)(١) أي إلا أن يعلما. وقوله تعالى : (جَنَفاً) أي ميلا عن الحقّ على جهة الخطأ.
وقوله تعالى : (أَوْ إِثْماً) أي ميلا إلى جهة العمد ؛ بأن زاد في الوصية على الثّلث ؛ أو أقرّ بغير الواجب ؛ أو جحد حقّا عليه ، (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) ؛ أي الوصيّ بين ورثة الموصي وغرمائه ، بأن ردّ الوصية إلى المعروف الذي أمر الله به ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، في التبديل.
والهاء والميم في قوله تعالى : (بَيْنَهُمْ) كناية عن الورثة ، والكناية تصحّ عن المعلوم وإن لم يكن مذكورا ، قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٨٢) ؛ يعني غفور رحيم إذ رخّص للوصي في خلاف الوصية على جهة الإصلاح.
قرأ مجاهد وعطاء وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشيبة ونافع وحفص : (موص) بالتخفيف ، وقرأ الباقون : (موصّ) بالتشديد.
وقوله تعالى : (جَنَفاً) أي جورا وعدولا عن الحق ، والجنف : الميل في الكلام وفي الأمور كلّها. وقرأ عليّ كرّم الله وجهه : (حيفا) بالحاء والياء ؛ أي ظلما. قال الفراء : (الفرق بين الجنف والحيف : أنّ الجنف عدول عن الشّيء ، والحيف حمل على الشّيء حتّى ينتقصه ، وعلى الرّجل حتّى ينتقص حقّه). قال المفسّرون : الجنف الخطأ ، والإثم العمد.
ومعنى الآية : من حضر مريضا وهو يوصي ، فخاف أن يخطئ في وصيّته ليفعل ما ليس له فعله ، أو يتعمّد جورا فيها فيأمر بما ليس له ، فلا حرج على من حضره أن يصلح بينه وبين ورثته ؛ بأن يأمره بالعدل في وصيته وينهاه عن الجنف ؛ فينظر للموصي
__________________
(١) سورة البقرة / ٢٢٩.