فكما أنّ هذه البهائم تسمع الصوت ولا تفهم ولا تعقل ما يقال لها ؛ كذلك الكافر لا ينتفع بوعظ إن أمرته بخير أو زجرته عن شرّ ؛ غير أنه يسمع صوتك. وقال الحسن : (معناه : مثله فيما أتيتم به حيث يسمعونه ولا يعقلونه كمثل راعي الغنم الذي ينعق بها ، فإذا سمعت الصوت رفعت رأسها فاستمعت إلى الصوت والدعاء ولا تعقل منه شيئا ، ثم تعود بعد ذلك إلى مرعاها ؛ لم تفقه ما ناداها به). وقال قوم : معنى الآية : مثل الكفار في دعائهم الأصنام وعبادتهم الأوثان كمثل الرجل يصيح في جوف الجبال ، فيجيبه فيها صوت يقال لها الصّدى ؛ يجيبه ولا ينفعه.
قوله تعالى : (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً.) وقيل : إنّ الدعاء والنداء واحد كما أن الحلال والطّيب واحد. وقيل : الدعاء ما يكون للقريب ، والنداء إنما يكون مدّ الصوت للبعيد.
قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٧١) ؛ أي هم صمّ عن الخير لا يسمعون الحقّ ؛ والعرب تقول لمن يسمع ولا يعمل بما يسمعه : كأنه أصمّ.
وقوله تعالى : (بُكْمٌ) أي خرس لا يتكلمون بخير ، (عُمْيٌ) لا يبصرون الهدى فهم لا يعقلون ما يؤمرون به.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ؛ أي من حلال ما رزقناكم من الحرث والأنعام وسائر المأكولات ، قال صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الله سبحانه وتعالى طيّب لا يقبل إلّا الطّيّب ، وإنّ الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ؛ فقال : يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات ، وقال : يا أيّها الّذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم](١).
قوله تعالى : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١٧٢) ؛ أي واشكروا لله على ما رزقكم وأباح لكم من النعم إن كنتم إيّاه تعبدون ؛ أي إن كنتم تقرّون أنه إلهكم ورازقكم ، وهذا أمر إباحة وتخيير ؛ أعني قوله تعالى : (كُلُوا) لأن تناول المشتهى لا يدخل في التعبد ؛ وقد يكون الأكل تعبّدا في بعض الأحوال عند دفع ضرر النفس أو تقويتها على الطاعة ، وعند مساعدة الضيف إذا امتنع عن الأكل.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ١ ص ٤٠٦ ؛ قال السيوطي : «أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة». (١) طه / ٦٩.