وقيل : إن هذه الآية قصة مستأنفة ؛ وإنّها نزلت في اليهود ؛ فعلى هذا تكون الهاء والميم في قوله : (لَهُمُ) كناية عن غير مذكور. وعن ابن عباس قال : [دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليهود والنّصارى إلى الإسلام ورغّبهم فيه وحذّرهم عذاب الله ، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا خيرا منّا وأعلم ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية](١).
قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) ؛ هذا مثل ضربه الله تعالى للكفار فوصفهم بعدما أمرهم ونهاهم ؛ فلم يأتمروا ولم ينتهوا بصفة الدواب ، معناه : مثلنا أو مثلك يا محمّد مع الكفار أو مثل واعظ الذين كفروا. فحذف اختصارا كمثل الذي يصيح بها بما لا يدري ما يقال له إلا أنه يسمع الصوت ، وهو الإبل والبقر والغنم ينزجر بالصوت ولا تفقه ما يقال لها ؛ ولا تحسن جوابا ؛ فكما أنّ البهائم لا تفهم كلام من يدعوها ، فكذا هؤلاء الكفار لا ينتفعون بوعظ النبي صلىاللهعليهوسلم. وهذا قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وعطاء والربيع وأكثر المفسرين ، فإنّهم قالوا المراد (بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) البهائم التي لا تعقل كالأنعام والحمير ونحوها (٢).
وأضاف المثل إلى الكفار اختصارا لدلالة الكلام عليه ؛ وتقديره : مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله تعالى كمثل الداعي الذي ينعق بهم ؛ أي يصوّت ويصيح بها ، يقال : نعق ينعق نعقا ونعاقا ؛ إذا صاح وزجر ، قال الشاعر (٣) :
فانعق بضأنك يا جرير فإنّما |
|
منّتك نفسك في الخلاء ضلالا |
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ١ ص ٤٠٥ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم». أخرجه ابن هشام في السيرة النبوية عن ابن إسحق : ج ٢ ص ٢٠٠. والطبري في جامع البيان : النص (٢٠٢٥).
(٢) نقل أقوالهم الطبري في جامع البيان : النصوص (٢٠٢٨ ـ ٢٠٣٥).
(٣) هو الأخطل ، ينظر : في ديوانه : ٢٥٠. والبيت أيضا في نقائض جرير والأخطل : ص ٨١. ولسان العرب : مادة (نعق). ونعق : صاح.