قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ؛ أي هذا القرآن حقّ. وقيل : جاءك بالحقّ من ربك يا محمد أنّ الكعبة قبلة إبراهيم تعلمها اليهود. وقرأ عليّ رضي الله عنه : (الحقّ) نصبا على الإغراء. قوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١٤٧) ؛ أي لا تكوننّ من الشاكّين في أمر القرآن والقبلة. والخطاب في هذه الآية للنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ والمراد به غيره ، وكذلك كل ما ورد عليك من هذا فهذا سبيله.
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) ؛ أي لكل ملّة من اليهود والنصارى قبلة هو موليها ، أي مستقبلها ؛ ومقبل إليها. يقال : ولّيته ووليت إليه إذا أقبلت إليه ، ووليت عنه إذا أدبرت عنه. وقيل : معناه : الله مولّيها ؛ أي يولي أهل كل ملة القبلة التي يريدونها. وقرأ ابن عباس وابن عامر وأبو رجاء : (ولكلّ وجهة هو مولّيها) أي مصروف إليها. وفي حرف أبي : (ولكلّ قبلة هو مولّيها). وفي حرف عبد الله : (ولكلّ جعلنا قبلة هو مولّيها).
قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ؛ أي فبادروا بالطاعات أيها المسلمون فقد ظهر لكم الحق ، واستبقوا إلى أوامر الله وطاعته مبادرة من يطلب الاستباق إليها ، تقديره : فاستبقوا إلى الخيرات ، فحذف الخافض كقول الشاعر (١) :
ثنائي عليكم يا آل حرب ومن يمل |
|
سواكم فإنّي مهتد غير مائل |
يعني : ومن يمل إلى سواكم.
قوله تعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) ؛ أي أينما تكونوا أنتم وأهل الكتاب يقبض الله أرواحكم ويجمعكم للحساب فيجزيكم بأعمالكم ، وإن كانت قد تفرقت بكم البقاع والملل. وقيل : هذا خطاب للمؤمنين الذين قد سبق في علم الله أنّهم يصلّون إلى الكعبة. ومعناه : أينما تكونوا في شرق الأرض وغربها ، في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات يجمعكم الله تعالى إلى هذه القبلة. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٤٨) ؛ أي من الخلق والبعث والحساب وغير ذلك.
__________________
(١) البيت للراعي النيمري ، عبيد بن حصين (؟ ـ ٩٠ ه).