قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) ؛ أي إن صليت إلى قبلتهم واتبعت ملّتهم ، (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ؛ إنّها حقّ وإنّها قبلة إبراهيم ، (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١٤٥) ؛ أي الجاحدين الضارين لأنفسهم ، وهذا وعيد على معصية علم الله أنّها لا تقع منه كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(١) وقد علم الله أنه لا يشرك.
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ؛ يعني مؤمني أهل الكتاب :
عبد الله بن سلام وأصحابه ، (يَعْرِفُونَهُ) ؛ أي يعرفون محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) ، من بين الصّبيان. روي عن ابن عباس أنه قال : [لمّا قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة قال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن سلام : قد أنزل الله على نبيّه عليهالسلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) كيف يا عبد الله هذه المعرفة؟ قال : يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصّبيان يلعب ، وأنا أشدّ معرفة بمحمّد صلىاللهعليهوسلم منّي لابني ، فقال عمر : وكيف ذلك؟ قال : أشهد أنّه رسول الله حقّ من الله تعالى وقد نعته الله في كتابنا. فقال له عمر : وفّقك الله يا ابن سلام ، فقد صدقت وأصبت](٢).
قوله تعالى : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ؛) مثل كعب بن الأشرف وأصحابه (يكتمون الحقّ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم وأمر الكعبة ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٤٦) ؛ أن ذلك حقّ. روي عن عبد الله بن سلام قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حين نزلت هذه الآية : (كنت يا رسول الله أشدّ معرفة لك منّي بابني. قال له : [وكيف ذلك؟] قال : لأنّي أشهد أنّ محمّدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقّا يقينا ؛ ولا أشهد بذلك لابني ؛ لأنّي لا أدري ما أحدثت النّساء. فقال له عمر : وفّقك الله يا عبد الله) (٣).
__________________
(١) الزمر / ٦٥.
(٢) في الدر المنثور : ج ١ ص ٣٥٧ ؛ قال السيوطي : «وأخرجه الثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس».
(٣) في الدر المنثور : ج ١ ص ٣٥٦ ؛ قال السيوطي : «وأخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ... وذكر شطرا منه».