قوله تعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ؛) هذا تأكيد لأمر التحويل إلى الكعبة ؛ وبيان أنه لا يتغير فينسخ كما تغير بيت المقدس. و (حَيْثُ) مبني على الضمّ مثل (قط). وقيل : رفع على الغاية مثل (قبل ، وبعد). وقرأ عبيد بن عمير : (ومن حيث) بالنصب ؛ قال : لأنّها ساكنة في الأصل ، وإذا اجتمع ساكنان حرّك الثاني بالفتح ، لأنه أخف الحركات مثل (ليت ، وكيف).
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ؛ أي الأمر بالتوجه إلى الكعبة لصدق (مِنْ رَبِّكَ). (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٤٩).
قوله تعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ؛) بيان أن حكم النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأمته في التوجه إلى الكعبة في السفر والحضر سواء ؛ لأنه كان يجوز أن يظنّ ظانّ الفرق بين المسافر والمقيم كالنفل على الراحلة ، فبيّن الله تعالى أن المسافر كالمقيم في التوجه.
قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ؛ أي لئلا يكون لليهود عليكم حجّة ، ولأنّ المسلمين لو لم يصلوا إلى الكعبة لكان ذلك مخالفة للبشارة السابقة ؛ فيكون ذلك حجّة لهم بأن يقولوا : ليس هو النبي المبشّر.
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ؛) أي لا يحاجكم أحد إلا من ظلم فيما وضح له ؛ واحتج بغير الحق. وأراد بالذين ظلموا قريشا واليهود. وكانت حجة قريش الباطلة أن قالوا : إنّما رجع إلى الكعبة لأنه علم أنّها قبلة آبائه وهو الحق وكذا يرجع إلى ديننا ويعلم أنه حقّ. وأما اليهود فإنّهم يقولون : إن كانت قبلتنا ضلالة فقد صليت إليها سبعة عشر شهرا ، وإن كانت هدى فقد انصرفت عنها. وقيل : لأن اليهود يقولون : إن محمدا لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حقّ إلا أنه إنما يفعل برأيه ويزعم أنه أمر به. وقيل : إن من حجة مشركي مكة أنّهم قالوا لمّا صرفت القبلة إلى الكعبة : إنّ محمّدا قد تحيّر في دينه وتوجّه إلى قبلتنا وعلم أنّا أهدى سبيلا منه وإنه لا يستغني عنا ولا شكّ أنه يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا. فأجابهم الله تعالى بهذه الآية (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) نفى أن لا