إلى السّماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحبّ من أمر القبلة ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) أي فلنلحقك إلى قبلة تحبّها وتهواها ، (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي نحوه وقصده. وهو نصب على الظرف. وقيل : شطر الشيء نصفه ، فكأن الله أمره أن يحوّل وجهه إلى نصف المسجد الحرام ؛ والكعبة في النصف منه من كلّ جهة.
قوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ؛ أي أينما كنتم من برّ أو بحر أو جبل أو سهل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم نحوه. فحولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين.
وقال مجاهد : (نزلت الآية ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في مسجد بني سلمة وقد صلّى بأصحابه ركعتين من الظّهر ، فتحوّل في الصّلاة فاستقبل الميزاب فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين. فلمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة ؛ قالت اليهود : يا محمّد ما أمرت بهذا وما هو إلّا شيء تبتدعه من نفسك ، فتارة تصلّي إلى بيت المقدس ، وتارة تصلّي إلى الكعبة ، فلو ثبتّ على قبلتنا لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الّذي كنّا ننتظره ، فأنزل الله تعالى قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) ، يعني أمر الكعبة وأنّها قبلة إبراهيم ، أي وأنّ اليهود والنصارى ليعلمون أنّ استقبال الكعبة حقّ من ربهم ؛ لأنّ نعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم في التوراة أن يكون صاحب القبلتين ، ثم هدّدهم فقال عزوجل : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤) ؛ أي لا يخفى عليه جحودهم.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ؛) يعني يهود المدينة ونصارى نجران ، فقالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ائتنا بآية كما أتى الأنبياء قبلك ، فأنزل الله هذه الآية. وقوله (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) يعني الكعبة ، وقوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) ؛ أي وما أنت بمصلّ إلى قبلتهم بعد التحويل ؛ (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) ؛ لأن اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى تستقبل المشرق.