صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل عليهالسلام : [وددت أنّ الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها؟] فقال جبريل : إنّما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا ؛ فاسأل ربّك أن يحوّلك عنها ، فارتفع جبريل وجعل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يديم النّظر إلى السّماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأل ؛ فأنزل الله هذه الآية (١) : قد نرى تقلّب وجهك في السّماء ، (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
وروي : أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه كانوا يصلّون بمكّة إلى الكعبة ، فلمّا هاجروا إلى المدينة أمره الله أن يصلّي إلى بيت المقدس ؛ ليكون أقرب إلى تصديق اليهود له إذا صلّى إلى قبلتهم مع ما يجدون من صفته في التّوراة. فروي أنّه صلىاللهعليهوسلم صلّى هو وأصحابه نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ؛ وكانت الكعبة أحبّ القبلتين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
واختلفوا في السبب الذي كان لأجله يكره قبلة بيت المقدس وهوي الكعبة. فقال ابن عباس : (لأنّها قبلة أبيه إبراهيم عليهالسلام). وقال مجاهد : (من أجل أنّ اليهود قالوا : يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا).
وقال مقاتل : (لمّا أمر الله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يصلّي إلى بيت المقدس ، قالت اليهود : يزعم محمّد أنّه نبيّ ؛ وما نراه أحدث في نبوّته شيئا! أليس يصلّي إلى قبلتنا ، ويستنّ بسنّتنا! فإن كانت هذه نبوّة فنحن أقدم وأوفر نصيبا. فشقّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وازداد شوقا إلى الكعبة وقال : [وددت أنّ الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها ، فإنّي أبغضهم وأبغض موافقتهم] فقال جبريل عليهالسلام : إنّما أنا عبد مثلك ، ليس لي من الأمر شيء ، فاسأل ربّك. ثمّ عرج جبريل عليهالسلام ؛ فجعل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يديم النّظر
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ١ ص ٣٤٣ ؛ قال السيوطي : «وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية : ... وذكره».
(٢) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٨٤٩). وفي الدر المنثور : ج ١ ص ٣٤٣ ؛ قال السيوطي : «وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي ، عن ابن عباس ... وذكر شطرا منه. وأخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والنحاس والبيهقي في سننه».