النُّصُبِ)(١) أي للنّصب ؛ وقوله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ؛) أي ويكون محمّد صلىاللهعليهوسلم عليكم شهيدا معدّلا مزكّيا لكم ، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ثم يقول لكفار الأمم : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)(٢) ، فينكرون ويقولون : ما جاءنا من نذير ، فيسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون : قد بلّغناهم. فيسألهم البينة إقامة للحجة عليهم ؛ وهو أعلم بذلك ، فيؤتى بأمة محمّد صلىاللهعليهوسلم فيشهدون لهم بالتبليغ ، فتقول الأمم الماضية : من أين علموا ذلك وبيننا وبينهم مدة مديدة؟ فيقولوا : علمنا ذلك بإخبار الله تعالى إيّانا في كتابه الناطق على لسان رسول الله ، فيؤتى بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ فيزكّي أمّته ويشهد بصدقهم.
قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) ؛ أي ما أمرتك يا محمّد بالتوجه إلى بيت المقدس ثم بالتحويل منها إلى الكعبة إلا ليتميز من يتبع الرسول ممن يرجع إلى دينه الأول. وقيل : ومعناه : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي) أنت (عليها) وهي الكعبة لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ)(٣) أي أنتم ؛ إلا لنرى ونميّز من يتبع الرسول في القبلة ممن ينقلب على عقبيه فيرتدّ ويرجع إلى قبلته الأولى. قوله : (لِنَعْلَمَ) أي ليتقرّر علمنا عندكم.
وقيل : معناه : ليعلم محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فأضاف علمه إلى نفسه تفصيلا وتخصيصا كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ)(٤).
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) ؛ أي وإن كان اتباع بيت المقدس ثم الانتقال إلى الكعبة لشديد ؛ (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) ؛ أي حفظ الله قلوبهم على الإسلام. قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ؛ أي تصديقكم بالقبلتين. وقيل : معناه : وما كان الله ليفسد صلاتكم إلى بيت المقدس ؛ وذلك أنّ حييّ ابن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس أكانت هدى أم ضلالة؟ فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها! وإن كانت
__________________
(١) المائدة / ٣.
(٢) الملك / ٨.
(٣) آل عمران / ١١٠.
(٤) الأحزاب / ٥٧.