وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يصلّي بمكة إلى الكعبة ، وكان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة أمر بأن يصلّي إلى بيت المقدس لئلّا يكذّبه اليهود ؛ لأن نعته في التوراة أن يكون صاحب قبلتين ؛ يصلّي إلى بيت المقدس نحو مدة سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا ، ثم يأمره الله تعالى بالتحويل إلى الكعبة ليمتحن أهل الإسلام ، فيظهر من تبع الرسول من غيرهم من منافقي اليهود.
فلمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة بعد إقامة الحجّة على الكفار ، علم أنّهم يقولون في نسخ القبلة أشياء يؤذون بها النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأخبر الله تعالى نبيّه بما سيقولون في المستأنف ؛ ليعجّل السّكن ويعرف أنّ ذلك من باب الوحي والغيب كما كان أخبر الله تعالى.
ومعناه : سيقول السفهاء وهم اليهود وكفّار مكة : ما الّذي صرف أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم عن قبلتهم بيت المقدس ، قل يا محمّد : لله المشرق والمغرب (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى طريق قويم ؛ وهو الإسلام وقبلة الكعبة.
وقوله تعالى : (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي من كان مالك المشرق والمغرب لا يعترض عليه في جميع ما يأمر ، ويجوز أن يكون معناه : أنّ الله خالق الأماكن كلّها ، فليس بعض ما خلق أولى أن يجعل قبلة في العقل من بعض ، فوجب الانتهاء إلى أمر الله باستقبال ما شاء الله.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ؛ أي عدلا ؛ وقيل : خيارا ، يقال في صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم : [هو أوسط قريش حسبا] ويقال : فلان وسيط في حسبه ؛ أي كامل منته في الكمال ؛ ولأن المتوسّط في الأمور لا يفرّط فيغلو ولا يقصّر فيتّضع ، فهذه الأمة لم تغلو في الأنبياء كغلوّ النصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله! ولم يقصّروا كتقصير اليهود حيث كذّبوا الأنبياء وقتلوهم. وأصله أن خير الأشياء أوسطها.
قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ؛ أي شهداء للنبيين صلوات الله عليهم بالتبليغ. وقد يقام مقام اللام في مثل قوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى